تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(إن النظام الديمقراطي قد أقرَّ -قانونياً على الأقل- بعدد غير قليل من الحقوق والحريات، وذلك مثل حرية الرأي، وحرية الاعتقاد، والحرية الشخصية، وحق الملكية، وحق العمل والسكن والانتقال والتعليم، إلى غير ذلك من الحقوق والحريات، وهو بمثل هذا الإقرار يكون مخالفاً للنظم الاستبدادية التي لا تقر بشيء مثل ذلك، وبمثل هذا الإقرار أيضاً لمع بريق الديمقراطية الزائف في أعين كثير ممن لا يملكون المعرفة الصحيحة بالنظام الإسلامي، وذلك لسببين:

أ - وجود الأنظمة الحاكمة الظالمة الطاغية والمستبدة في كثير من بلاد المسلمين، التي لا ترعى حقاً ولا توفر أمناً، والتي لا تتورع عن البطش والتنكيل الشديد بكل من تتوهم أن له رأياً مخالفاً لها، أو بكل من تُسوِّل له نفسه المطالبة بحقوقه المشروعة التي كفلها له النظام الإسلامي.

ب - عدم المعرفة الجيدة والإدراك الواعي للآثار أو النتائج المترتبة على الحقوق والحريات في النظام الديمقراطي.

والمقام -هنا- يقتضي منا أن نُعرج على طائفة من هذه الآثار أو النتائج:

1 - ففي مجال الاعتقاد يحق لكل فرد في النظام الديمقراطي أن يدين بما شاء من العقائد والملل والنِّحل والأفكار، ولا تثريب عليه في ذلك، ولا فرق -في النظام الديمقراطي- أن يدين المرء بدين أصله الوحي الإلهي، أو يدين بعقيدة أو فكرة من وضع البشر واختلاقهم، كما أنه يجوز -في ظل هذا الحق أو هذه الحرية- أن يغيِّر المرء دينه أو عقيدته أو ملته أو نحلته كيفما شاء، وليست هناك أدنى قيود عليه في ذلك، بل لو شاء أن يكون له في كل يوم عقيدة تخالف عقيدته السابقة لكان له ذلك، وهذا الحق عندهم من الحقوق التي لا يجوز تقييدها أو تخصيصها بل هو حق مطلق، وفي هذا المجال لا تسل عن جريمة الردة أو عن حدّها، فالردة حق من الحقوق التي يجب كفالتها وحرية متاحة للجميع!

وما زلت أذكر تلك الضجة التي ثارت في بلد عربي يرفع شعار الديمقراطية، عندما تقدم بعض نواب الشعب بمشروع قرار إلى مجلس الشعب (البرلمان) لإقامة حد الرِّدة، وكيف أنه نُظمت حملة مكثفة في وسائل الإعلام المقروءة ضد هذا القول -على الرغم من مساندة كبير العلماء الرسميين في هذا البلد لذلك المشروع.

ولستُ في حاجة بعد ذلك أن أذكر لك أن المشروع قد وُئِد وانتهى أمره، وما ذلك إلا لأن الحد الشرعي الذي شرعه الحكيم الخبير يخالف ما يزعمونه من حرية الاعتقاد التي يكفلها النظام الديمقراطي!!

وإذا كانت الديمقراطية تعطي المسلم -قانونياً- حرية الاعتقاد، فإنها تعطيه في نفس الوقت الحرية في أن يرتد عن دنيه، كما تعطي غيره حرية الكفر والإلحاد.

وإذا تركنا مجال الاعتقاد، وانتقلنا إلى مجال الأخلاق، فإننا نجد -في ظل النظام الديمقراطي- كل الرذائل والموبقات الخُلُقية أصبحت حقوقاً وحريات:

فالزنا حق من الحقوق أو حرية من الحريات، وممارسة الأفعال الفاضحة علناً وفي الشوارع حق أيضاً من حقوقهم، وحرية متاحة للجميع، وكذلك اللواط ومواقعة الرجال بعضهم بعضاً لا غضاضة فيه ولا تحريج عليه، بل هو حق مكفول مصان بقوة القانون.

وإذا ما انتقلنا إلى مجال الاقتصاد، وجدناه يقوم على أساس المذهب الفردي، الذي يعطي الفرد حرية مطلقة في الكسب والتملك والثراء بلا قيود ولا ضوابط ولا أخلاق، فالربا والاحتكار وغير ذلك من الطرق المشابهة وسيلة شريفة ومشروعة لكسب المال، والفرد حر حرية مطلقة أيضاً في إنفاق المال المكسوب ولو كان ذلك على الفساد والرذيلة، وليست هناك أهداف أو غايات اجتماعية محمودة يتم تحقيقها من وراء تملك المال، فليس للفقير أو المسكين أو المحتاج أدنى حق في مال الغني.

وليس للدولة أن تتدخل في نشاط الأفراد الاقتصادي، وإنما تنحصر وظيفتها في القيام بمهمة الحارس.

فالمذهب الفرد -في ظل النظام الديمقراطي- حرَّر رأس المال من التقيد بالأخلاق أو الغايات الحميدة، كما أنه جعل من حق الإنسان أن يسعى إلى ثراء غير محدود يحققه لنفسه من غير التفات إلى مجتمعه أو إلى من حوله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير