تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولعلك تسأل وتقول: ولكن ما الذي يدفع هؤلاء الكتاب إلى مثل هذا الكلام؟! ويأتيك الجواب سريعاً من نص أقوالهم، إنه ليس إلا التقليد والإعجاب أو قُل الانهزام أمام القانون الدستوري في الفقه الوضعي الديمقراطي، وانظر إلى ما يقوله قائل منهم: "هذا، وإن مصادر القانون الدستوري في الفقه الوضعي الحديث تتلخص -كما قدمنا- في مصدرين: التشريع الدستوري الصادر من الهيئات النيابية (أو من رئيس الدولة)، والعرف ".

والحقيقة التي لا مراء فيها أن محاولة عزل النصوص الشرعية من الكتاب والسنة عن أن تكون حاكمة في مسائل الفقه السياسي (الدستوري) بالطريقة التي يسلكها أصحاب هذا المسلك هي في حقيقتها -بدون أدنى اختلاف- محاولة لعزل الدين عن الدولة أو عزل الدين عن السياسة، وهذا هو الوجه السياسي للعلمانية. وكشف هذا المسلك وتعريته وفضح دعاته وبيان ما في أقوالهم من التلبيس والتضليل من الأمور الواجبة في حق أهل العلم وطلبته، تجد بعضًا منها في كتابي " تحطيم الصنم العلماني ".

ومن وسائلهم في محاربة النظام السياسي الإسلامي: استغلال خطأ بعض الخلفاء أو الأمراء أو الحكام المسلمين، وإلصاق هذه الأخطاء بالنظام الإسلامي نفسه، وتشويهه به.

أو الادعاء أن النظام الإسلامي نظام يكرس الاستبداد ويدعو إليه تحت شعار طاعة الأمير.

وضلال هذا المسلك وخطله واضح لكل من يفهم حقيقة دين الإسلام، فإنه:

أولاً: ليس في النصوص الشرعية أدنى شيء يبرر للحاكم الجور أو الطغيان بل نصوصه تحرم ذلك، وتزجر عنه، وتتوعد عليه الوعيد الشديد، وهذا بعض ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به".

وقال: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".

وقال: "ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة".

وقال: "ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله عز وجل مغلولاً يوم القيامة يده إلى عنقه فكه بره أو أوبقه أثمه ... " الحديث. وغير ذلك كثير من الأحاديث الكثيرة في هذا الموضوع.

ثانياً: ليس في النصوص الشرعية بحمد الله ما يدعو الأمة إلى الرضوخ والاستكانة إلى الظلم والطغيان إذا حدث من الخليفة أو الحاكم، أو من غيره، بل النصوص واضحة وصريحة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطه المعروفة.

وقد جاءت نصوص كثيرة في شريعتنا المطهرة توضح الأسس والأصول والقواعد التي تُبنى عليها طاعة المحكومين لحكامهم، أو معصيتهم.

ثالثاً: ليس في نصوصه ما يمنع من مراقبة أجهزة الحكم لمعرفة مدى استقامتها على أمر الله، وأنها لم تخرج عن الحدود التي حدتها لها الشريعة، ويكفينا في هذا أن نذكر خطبة أبي بكر الصديق بعد توليه أمر الخلافة وهو يقول لرعيته: "إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوِّموني".

وهل يمكن معرفة الإحسان من الإساءة، وبالتالي ما يترتب عليه من الإعانة أو التقويم إلا إذا كانت هناك مراقبة لأجهزة الحكم؟.

ومن وسائلهم أيضاً القول بأن النظام الإسلامي نظام مثالي -ومثل هذه المقولة قد يفرح بها الذين لا يفهمون اصطلاحاتهم- ومرادهم بهذه المقولة أنه نظام غير قابل للتطبيق، وإذا طُبق فهو غير صالح لقيادة الحياة، وذلك لأن النظام المثالي -في عرفهم- لا يصلح إلا لأناس مثاليين، ولما كان الناس غير مثاليين بل فيهم الطيب وفيهم الخبيث، وحتى الطيب فهو عرضة للزلل، يكون النظام الإسلامي -على قولهم- غير قابل للتطبيق، أو غير صالح لقيادة الحياة!!

ويكفي في الرد على هذا الزعم الباطل أن يقال: إن النظام السياسي الإسلامي ظل يحكم دولة الإسلام منذ قيامها في المدينة المنورة بقيادة الرسول الأعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ولعدة قرون بعده، وفتح المسلمون في ظله مشارق الأرض ومغاربها، ورفعوا على ربوعها رايات الإسلام، ونشروا الحق والعدل بين الناس، وغيروا وجه التاريخ الإنساني، كل ذلك حدث باسم الإسلام، وفي ظل دولة الإسلام، فهل حدث ذلك في ظل نظام غير قابل للتطبيق، أو غير صالح لقيادة الحياة؟!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير