تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما لا شك فيه أن الرجوع إلى السنة يقتضي العلم بها والمعرفة بما صح منها وما لم يصح، والدعاة في هذا العصير بين إحدى حالتين:

1 - إما أن يكونوا قادرين على الرجوع إليها، وحينئذ فالطريق سهل بين ليس عليهم إلا سلوكه، وهم في الغالب لم يفكروا في سلوكه بعد!

وهنا يقال: كيف يدعو إلى الإسلام من لا يحكم الإسلام في نفسه؟

2 - وإما أن يكونوا عاجزين عن الرجوع إليها بسبب جهلهم بها، كما هو الغالب مع الأسف على أكثر الدعاة، ففي هذه الحالة عليهم أن يعدوا العدة لتخريج جماعة، بل جماعات من العلماء، يتدارسون كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويتفقهون فيهما، ويصدرون الفتاوى معتمدين عليهما، كما كان عليه الأمر في عهد السلف الصالح (2) فإذا تحقق هذا - وهو واقع إن شاء الله تعالى ولو بعد حين - نكون قد سلكنا النهج المستقيم للقضاء على الخلاف في فهم الإسلام على الصورة التي عرضها الشيخ الطنطاوي -حفظه الله تعالى- في مقال: " المشكلة " وبذلك يمكن حل (المشكلة) التي تقف عقبة في سبيل " الاتفاق على الأسلوب الذي ندعو به إلى الإسلام ".

3 - هل يرض الدعاة بهذا الحل؟

لكن يبدو للباحث أن كثيراً من الدعاة اليوم لا استعداد عندهم -مع الأسف الشديد- لتقبل الحل المذكور منهجاً للقضاء على الخلاف، مما يحملنا على أن نعتقد أن تحقيق الاتفاق الذي يدعو إليه الشيخ بعيد المنال في الوقت الحاضر، كيف لا، ونحن نرى حضرته - وهو ممن كنا نظن أنه من أقربهم إلى السنة وأدناهم للتفاهم معه في سبيل الدعوة إليها والعمل بها - نراه قد حمل في مشكلته هذه على الدعاة إلى السنة حملة شعواء، وهجاهم فيها بما لم يهج به القائلين بوحدة الوجود!

وهذا في الواقع من غرائب الاختلاف، فبينما يرى دعاة السنة أن " المشكلة " لا تحل إلا بتبني الدعاة لدعوتهم حقاً، إذا ببعض هؤلاء الدعاة يجعلهم من الدعائم التي قامت بسببهم " المشكلة "!

هذا ولما كان في رده عليهم كثير من الأخطاء والآراء التي يفهم منها القراء خلاف ما عليه دعاة السنة، رأيت أنه لا بد من بيان ذلك إظهاراً للحق ودفعاً للتهمة، راجياً من فضيلة الشيخ أن يتقبل ما عسى أن يظهر له صوابه، وأن يدلنا على ما تبين له خطؤه، سائلاً المولى -سبحانه وتعالى- أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، موافقة لسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

4 - نص كلام الأستاذ الطنطاوي:

" وآخر يرى الإسلام في ترك المذاهب كلها، والعودة إلى السنة، فكل من استطاع أن يقرأ البخاري ومسلم ومجمع الزوائد، وأن يفتش عن اسم الراوي في التقريب أو التهذيب، وجب عليه الاجتهاد، وحرم عليه التقليد، ويسمون هذا الفقه العجيب الذي يشبه فقه برد (3) (والد بشار) بفقه السنة، لا يدرون أن الوقوف على الأحاديث ومعرفة إسنادها ودرجاتها شيء، واستنباط الأحكام منها شيء آخر، وأن المحدثين كالصيادلة، والفقهاء كالأطباء، والصيدلي يحفظ من أسماء الأدوية ويعرف من أصنافها ما لا يعرفه الطبيب، ولكنه لا يستطيع أن (يشخص) الأمراض ويشفي المرضى، وأن الصحابة أنفسهم لم يكن فيهم إلا مئة ممن يفتي، وأن مئة الألف من المسلمين الذين توفي عنهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا يرجعون إلى هذه المئة، ولا يجتهدون لأنفسهم، وأنه إن لم يطلع الإمام من الأئمة على الحديث من الأحاديث، فإن أتباع مذهبه قد اطلعوا عليه خلال هذه القرون الطويلة، وأنهم كانوا اتقى لله وأحرص على دينهم من أن يخالفوا حديثاً صحيحاً لقول إمام أو غير إمام، وأن المذاهب لم تأخذ الأحاديث وحدها، بل أخذت الحديث وما قال فيه الصحابي، والتابعي، ومن بعده، وسجلت هذه الشروح والأفهام المتعاقبة ثم استخلصت منها الحكم، وأن من يترك اجتهادات الأئمة كمن يرى الطيارة وما بلغت إليه بعد الجهود المتتالية والرقي المتسلسل، فيتركها ويعرض عنها، ويحاول الطيران بأجنحة ليركبها لنفسه كما فعل العباس بن فرناس، وإن دعوى منع التقليد في الدين دعوى باطلة، لأن في كل علم أهل اختصاص فيه، وغرباء عنه فإذا احتاج الغريب إلى معرفة حكم فيه رجع إلى أهله، كالعامي يحتاج إلى مداواة مريضه، أو عمارة بيته، أو إصلاح ساعته، فلا يستطيع إلا الرجوع إلى الطبيب أو المهندس أو الساعاتي، وتقليده فيما يذهب به إليه اجتهاده " اهـ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير