تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

5 - لماذا يدعو دعاة السنة للعودة إلى السنة:

وإني قبل الشروع في بيان ما في كلام الأستاذ الطنطاوي من الأخطاء، أرى لزاماً علي أن أبين الأسباب التي تحمل دعاة السنة على الدعوة إليها، وترك كل قول يخالفها فأقول:

أولاً: إنها المرجع الوحيد بعد القرآن الكريم، وفي ذلك آيات كثيرة معروفة وعلى ذلك إجماع الأمة.

ثانياً: إنها عصمة من الوقوع في الخطأ وأمان من التردي في الضلال كما قال -صلى الله عليه وسلم- في حجة الودع: " يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه " (4)، وليس كذلك اجتهادات الرجال وآراؤهم، ولذلك قال الإمام مالك -رضي الله عنه-: " إنما أنا بشر أخطيء وأصيب، فانظروا في رأي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه " (5)، وقال شريح القاضي: " إن السنة سبقت قياسكم، فاتبعوا ولا تبتدعوا، فإنكم لن تضلوا ما أخذتم بالأثر " (6).

ثالثأ: إنها حجة ملزمة باتفاق المسلمين، بخلاف آراء الرجال فإنها غير ملزمة عند السلف (7) وغيرهم من المحققين، قال الإمام أحمد -رضي الله عنه -: " رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي أبي حنيفة كله رأي، وهو عندي سواء، وانما الحجة في الآثار (8).

رابعاً: إنه لا يمكن لطالب العلم أن يصير فقيهاً حقاً إلا بدراستها، فهي وحدها بعد القرآن الكريم تؤهله لأن يستنبط ويقيس قياساً صحيحاً إذا أعوزه النص، فلا يقع مثلاً في مثل الأخطاء التي يقع فيها الجهال بها، كقياس الفرع على الفرع، أو الضد على الضد، أو القياس مع وجود النص، ولهذا قال ابن القيم -رحمه الله- (9): " إن أصح الناس قياساً أهل الحديث، وكلما كان الرجل إلى الحديث أقرب كان قياسه أصح، وكلما كان عن الحديث أبعد كان قياسه أفسد ".

خامساً: إنه لا يمكن القضاء على ما دخل في المسلمين من البدع والأهواء إلا من طريق السنة، كما أنها سد منيع للوقوف في وجه المذاهب الهدامة، والآراء الغربية التي يزينها أصحابها للمسلمين، فيتبناها بعض دعاتهم ممن يدعي التجديد والإصلاح ونحو ذلك!

سادساً: إن المسلمين اليوم قد شعروا -على اختلاف مذاهبهم وفرقهم- أن لا مناص لهم من الاتحاد ونبذ الخلاف حتى يستطيعوا الوقوف صفاً واحداً تجاه أعدائهم، وهذا لا يمكن إلا بالرجوع إلى السنة لما سبق ذكره في الأسباب (1، 2، 3).

سابعاً: إنها تقرن مع ما تحمله من أحكام مرغبات في تنفيذها، ومرهبات عن التساهل بها، وذلك أسلوب النبوة، وروح الشرع، مما يجعل أصحابها أرغب في القيام باحكامها من الذين يأخذونها من كتب الفقه العارية عن الدليل، وهذا أمر مشهود ما أظن أن أحداً حتى من المتعصبين للمذاهب ينكره.

ثامناً: إن المتمسك بها يكون على مثل اليقين في الأحكام التي يأخذها منها، بخلاف المقلدين الجهال بها، فإنهم يضلون بين الأقوال الكثيرة المتضاربة التي يجدونها في كتبهم، ولا يعرفون خطأها من صوابها، ولذلك قد يفتي أحدهم في مسألة بقولين متعارضين، فيقول مثلاً: يجوز ذلك عند أبي حنيفة، ولا يجوز عند صاحبيه، مع أن السنة الصحيحة الصريحة مع أحد القولين، ولكنه لجهله بها يحكي القول المعارض لها، بدون إنكار منه له، ولو بطريق الإشارة، فيلقي بذلك المستفتي في الحيرة! بل إن بعضهم يجعل القولين المتناقضين كشريعتين محكمتين يجوز للمسلم أن يأخذ بأيهما شاء! بل إن بعض الشافعية أجاز لنفسه أن يفتي بالقول الذي يعطى عليه أجراً أكبر!

تاسعاً: إن السنة تسد الطريق على الذين يريدون أن يتحللوا من الإسلام باسم المذاهب الفقهية نفسها، ويتخذون من التلفيق باسم المصلحة ما يؤيد حجتهم! ولا يعجزون أن يجدوا في ثنايا المذاهب في كل مسألة من الممسائل ما يوافق ويؤيد " مصلحتهم " المخالفة للسنة (10)، وهم لذلك يحاربون الرجوع إلى السنة، لأنها تسد الطريق عليهم كما قلنا، وتكشف تسترهم وراء المذاهب و " سعة الشريعة الإسلامية بسعة الأقوال الكثيرة، والاجتهادات الغزيرة والثروة الفقهية الطائلة التي قل أن تخرج مسألة عنها "؟! والله أعلم بما يوعون.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير