أوَليس الله هو مالك الملك والملكوت، ذو العزة والجبروت؟ لا شيء يكون إلا بأمره، ولا شيء يكون إلا بعلمه وإذنه!؟
أوَليس الخلق كلهم أجمعون مقهورين تحت إرادته وسلطانه؟ فمن ذا قدير على إيقاف دوران الأرض؟ ومن ذا قدير على تغيير نُظُم الأفلاك في السماء من بعد ما سوَّاها الله على قدر موزون؟
?فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ?
(فصلت:11)،
ومن ذا مِنَ الشيوخ المعمَّرين قديرٌ على دفع الهرم إذا دب إلى جسده، أو منع الوَهَنِ أن ينخر عظمه، ويجعد جلده؟ ويحاول الإنسان أن يصارع الهرم والموت، ولكن هيهات هيهات!
كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيُوهِنَهَا فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ
الموت والفناء هو اليقينية الكونية المشتركة بين جميع الخلق، كافرهم ومؤمنهم.
البعث القرآني
يولد الإنسان يوما ما، وبمجرد التقاط نفَسِه الأول من هواء الدنيا يبدأ عمره في عَدٍّ عَكْسِي نحو موعد الرحيل، فكان البدءُ هو آية الختام. هكذا يولد الإنسان وبعد ومضة من زمن الأرض تكون وفاته،
?كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ?
(الرحمن:26 - 27).
ذلك هو الله رب العالمين، يرسل رسالته إلى هذا الإنسان العبد، فيكلمه وحيا بهذا القرآن، ويأبى أكثرُ الناس إلا تمردا وكفورا. فوا أسفاه على هذا الإنسان، ويا عجبا من أمر هؤلاء المسلمين، كأن الكتاب لا يعنيهم، وكأن الرسول لم يكن فيهم،
?يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ?
(يس:30).
إن هذا القرآن هو الروح الذي نفخه الله في عرب الجاهلية، فأخرج منهم خير أمة أخرجت للناس، وانبعثوا بروح القرآن من رماد الموت الحضاري طيورا حية تحلق في الآفاق، وخرجوا من ظلمات الجهل ومتاهات العمى أدِلاَّءَ على الله، يُبْصِرون بنور الله ويُبَصِّرون العالم الضال حقائق الحياة! ذلك هو سر القرآن، الروح الرباني العظيم، لا يزال هو هو، روحا ينفخ الحياة في الموتى من النفوس والمجتمعات، فتحيا من جديد. وتلك حقيقة من أضخم حقائق القرآن المجيد، قال جل ثناؤه:
?وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ?
(الشورى:52 - 53).
مسؤولية الإنسان الوجودية
من أنت؟ تلك قصة النبأ العظيم، نبأ الوجود الضخم الرهيب، من البدء إلى المصير، النبأ الذي جاءت به النُّذُرُ من الآيات:
?وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ?
(الأنبياء:97).
وقريبا جدا -واحسرتاه! - تنفجر به الأرض والسماوات،
?يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ?
(الأنبياء:104).
ذلكم هو النذير القرآني الرهيب! ولقد أعذر من أنذر! وما بقي لمن بلغه النبأ العظيم من محيص، إلا أن يتحمل مسؤوليته الوجودية، ويتخذ القرار، قرارا واحدا من بين احتمالين اثنين، لا ثالث لهما: النور أو العَمَى، وما أنزل الله القرآن إذْ أنزله إلا لهذا، ولقد صَرَّفَه على مدى ثلاث وعشرين سنة، آيةً آيةً، كل آية في ذاتها هي بصيرة للمستبصرين الذين شَاقَهُم نورُ الحق فبحثوا عنه رَغَباً ورَهَباً عسى أن يكونوا من المهتدين. وبقي القرآن بهذا التحدي الاستبصاري يخاطب العُمْيَ من كل جيل بشري، قال الحقُّ جل وعلا:
?قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ?
(الأنعام:104).
¥