تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعن هذه العادات والتهالك عليها وسقوط كثير من الناس فيها، يقول صاحب "في ظلال القرآن" ـ رحمه الله وعفا عنه ـ: " هذه العادات والتقاليد التي تكلَّفَ الناس العنت الشديد في حياتهم، ثم لا يجدون لأنفسهم منها مفراً، هذه الأزياء والمراسم التي تفرض نفسها على الناس فرضاً، وتكلفهم أحياناً ما لا يطيقون من النفقة، وتأكل حياتهم واهتماماتهم، ثم تفسد أخلاقهم وحياتهم، ومع ذلك لا يملكون إلا الخضوع لها: أزياء الصباح، وأزياء بعد الظهر، وأزياء المساء، الأزياء القصيرة، والأزياء الضيقة، والأزياء المضحكة! وأنواع الزينة والتجميل والتصفيف إلى آخر هذا الاسترقاق المذلّ: من الذي يصنعه؟ ومن الذي يقف وراءه؟ تقف وراءه بيوت الأزياء، وتقف وراءه شركات الإنتاج! ويقف وراءه المرابون في بيوت المال والبنوك من الذين يعطون أموالهم للصناعات ليأخذوا هم حصيلة كدها! ويقف وراءه اليهود الذين يعملون لتدمير البشرية كلها ليحكموها! " (9).

- مسايرة الناس في ما اعتادوه اليوم في التوسع في المساكن والمراكب والمآكل بشكل يتسم بالترف الزائد بل بالمباهاة والمفاخرة حتى ضعف كثير من الناس عن مقاومة هذا الواقع؛ فراح الكثير منهم يرهق جسده وماله، ويحمِّل نفسه الديون الكبيرة وذلك حتى يساير الناس ويكون مثل فلان وفلان، والمشكل هنا ليسَ التوسع في المباحاتِ وترفيه النفس؛ فقد لا يكون بذلك بأس إذا لم يوقع في الحرام، لكن ضغط الواقع وإرضاء الناس ومسايرة عقول النساء والأطفال يدفع بعض الطيبين إلى تحميل نفسه من الديون الباهظة وذلك ليكون مثل غيره في المركب أو المسكن، ولن ينفعه مسايرة الناس من الأقارب والأباعد شيئاً إذا حضره الموت وديون الناس على كاهله لم يستطع لها دفعاً.

- مسايرة الناس فيما يطرحونه من استفتاءات حول بعض المخالفات الشرعية المعاصرة وذلكَ – ويا للأسف- من قِبَلِ بعض أهلِ العلم الذين قد يَرون مسايرة الواقع، ويُفتونَ ببعض الأقوال الشاذة والمتفردة والمهجورة، أو يحتجون بقواعد الضرورة أو رفع الحرج أو الأخذ بالرخص ... إلخ ولا يعلمون أنَّ مثلَ هذه القواعد وغيرها مرتبطة بتعظيم أمر الله ونهيه، ولا يخفى ما في ذلك من السير مع أهواء الناس والرضا بالأمر الواقع، والتحلل من أحكام الشريعة شيئاً فشيئاً، والمطلوب من الدعاة إلى الله تعالى وأهل العلم والفتوى في أزمنة الغربة أن يعظُوا الناسَ ويرشدوهم ويأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر بدل أن يحسِّنوا لهم الواقع ويسوِّغوا صنيعهم فيه.

يقولُ الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله تعالى: " المقصدُ الشرعيُّ مِن وَضْع الشريعة هو إخراجُ المكلَّف عن داعية هواه حتى يكون عبداً لله اختياراً كما هو عبدُ الله اضطراراً ". (10)

ويقول أيضاً: " إنَّ الترخُّصَ إذا أُخذ به في موارده على الإطلاق كان ذريعةً إلى انحلال عزائم المكلفين في التعبد على الإطلاق، فإذا أخذ بالعزيمة كان حرياً بالثبات في التعبد والأخذ بالحزم فيه ... فإذا اعتاد الترخُّصَ صارت كل عزيمة في يده كالشاقَّة الحرجة، وإذا صارت كذلك لم يقم بها حق قيامها وطلب الطريق إلى الخروج منها " (11).

ويقول الإمام ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى: " لا خلافَ بين المسلمين أنَّ الرجلَ لو أظهرَ إنكارُ الواجباتِ الظاهرةِ المتواترة، والمحرماتِ الظاهرةِ المتواترة ونحوِ ذلك؛ فإنه يستتاب، فإن تابَ وإلا قُتِلَ كافراً مرتداً، والنفاق والردة مظنتهما البدع والفجور). شرح الطحاوية ص355

وقد لا يكون المفتي قاصداً مسايرة واقع الناس أو الميل مع أهوائهم؛ لكنه يغفل عن مكرِ بعض الناس وخداعهم، وذلك في طريقة استفتاءاتهم وصياغتها صياغة تدفع المفتي من أهل العلم إلى إجابته بما يهوى، وعن هذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "يحرم عليه ـ أي على المفتي ـ إذا جاءته مسألة فيها تحايل على إسقاط واجب أو تحليل محرم أو مكر أو خداع أن يعين المستفتي فيها، ويرشده إلى مطلوبه أو يفتيه بالظاهر الذي يتوصل به إلى مقصوده؛ بل ينبغي له أن يكون بصيراً بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذراً فطناً فقيهاً بأحوال الناس وأمورهم، يؤازره فقهه في الشرع، وإن لم يكن كذلك زاغَ و أزاعَ، وكم من مسألةٍ ظاهرها جميل وباطنها مكر وخداع وظلم! فالغِرُّ ينظر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير