تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولله درُّ الإمام أبو محمد ابن حزم -رحمه الله تعالى- وكأنه يصفُ زماننا هذا إذ يقول في رسالته التلخيص لوجوه التخليص: (ولا يغرنَّكم الفساق والمنتسبون للفقه، اللابسونَ جلود الضأن على قلوبِ السباع!، المزينون لأهل الشر شرَّهم، الناصرون لهم على فسقهم ... ).

3 - مسايرة واقع الأنظمة ببعض التنازلات التي تضر بالدعوة وأهلها:

وهذا من أخطر ما يتعرض له أهل الدعوة والعلم والإصلاح، وبخاصة حينما يكثر الفساد وتشتد وطأته على الناس ويتسلط الظالمون على عباد الله المصلحين، حينئذ يجتهد بعض المهتمين بالدعوة والإصلاح، ويظهر لهم أن التقارب مع أرباب الأنظمة والسلطان والالتقاء معهم في منتصف الطريق قد يكون فيه مصلحة للدعوة وتخفيف شر عن المسلمين، وكل ما في الأمر بعض التنازلات القليلة التي يتمخض عنها ـ بزعمهم ـ مصالح كبيرة!! وليس المقام هنا مقام الرد والمناقشات لهذه الاجتهادات، فيكفي في فشلها وخطورتها نتائجها التي نسمعها ونراها عند من خاضوا هذه التنازلات ورضوا بالأمر الواقع؛ فلا مصلحة ظاهرة حققوها بتنازلاتهم، ولا مفسدة قائمة أزالوها، ودينُ الإسلامِ شاملٌ كُلٌ لا يتجزَّأ، يجبُ على المسلمين تطبيق حدوده وشرائعه في كلِّ دقيق وجليل في جميع شؤون الحياة، ولقد حذَّر الله ـ عزَّ وجل ـ النبي صلى الله عليه وسلم عن الركون للظالمين المفسدين أشد التحذير؛ وذلك في قوله تعالى: ((وإن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وإذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) ولَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً)) [الإسراء: 73 - 75].

يقول صاحب الظلال: "يعدد السياق محاولات المشركين مع الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - وأولها محاولة فتنته عما أوحى اللّه إليه، ليفتري عليه غيره، وهو الصادق الأمين، لقد حاولوا هذه المحاولة في صور شتى .. منها: مساومتهم له أن يعبدوا إلهه في مقابل أن يترك التنديد بآلهتهم وما كان عليه آباؤهم، ومنها مساومة بعضهم له أن يجعل أرضهم حراماً كالبيت العتيق الذي حرمه اللّه، ومنها طلب بعض الكبراء أن يجعل لهم مجلسا غير مجلس الفقراء، والنص يشير إلى هذه المحاولات ولا يفصلها، ليذكر فضل اللّه على الرسول في تثبيته على الحق، وعصمته من الفتنة، ولو تخلى عنه تثبيت اللّه وعصمته لركن إليهم فاتخذوه خليلا. وللَقي عاقبة الركون إلى فتنة المشركين، وهي مضاعفة العذاب في الحياة والممات، دون أن يجد له نصيرا منهم يعصمه من اللّه .. هذه المحاولات التي عصم اللّه منها رسوله، هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائما، محاولة إغرائهم لينحرفوا - ولو قليلاً - عن استقامة الدعوةِ وصلابتها، ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها في مقابل مغانم كثيرة، ومن حملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته لأنه يرى الأمر هينا، فأصحابُ السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته كلية، إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق. وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة، فيتصور أنَّ خيرَ الدعوة في كسب أصحاب السلطان إليها ولو بالتنازل عن جانب منها! ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق، وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ولو يسير، وفي إغفال طرفٍ منها ولو ضئيل، لا يملك أن يقف عندما سلَّم به أولَ مرة. لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء! ... لذلك امتنَّ اللّه على رسوله - صلى اللّه عليه وسلم - أن ثبَّته على ما أوحى اللّه، وعصمه من فتنة المشركين له، ووقاه الركون إليهم - ولو قليلاًُ - ورحمه من عاقبة هذا الركون، وهي عذاب الدنيا والآخرة مضاعفاً، وفقدان المعين والنصير".

4 - مسايرة ركب الغرب في بعض الميادين من قِبَلِ دعاة العصرانية من أبناء المسلمين:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير