تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الخادم الفصيح ...]

ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[06 - 06 - 2007, 07:55 م]ـ

الخادم الفصيح

حدّث أبو العيناء قال: كان سبب خروجي من البصرة وانتقالي عنها أنني مررت يوماً بسوق النخّاسين، فرأيتُ غلاماً يُنادَى عليه وقد بلغ ثلاثين ديناراً، فاشتريته. وكنت أبني داراً، فدفعتُ إليه عشرين ديناراً على أن ينفقها على الصناع، فجاءني بعد أيام يسيرة فقال: قد نفدت النفقة. فقلت: هاتِ حسابك! فرفع حساباً بعشرة دنانير. قلت: أين الباقي؟ قال: قد اشتريت به لنفسي ثوباً. قلت: من أمرك بهذا؟ قال: لا تعجل يا مولاي، فإن أهل المروءة لا يعيبون على غلمانهم إذا فعلوا فعلاً يعود بالزَّين على مواليهم! فقلت في نفسي: أنا اشتريت الأصمعيّ ولَمْ أَعلم! وكانت هناك امرأة أردت أن أتزوجها سرّا من ابنة عمي. فقلت له يوماً: أفيك خير؟ قال: إي لعمري. فأطلعته على الخبر. فقال: أنا نِعم العَون لك. فتزوجتُ المرأة ودفعتُ إليه ديناراً، وقلت له: اشترِ لنا به بعض السمك الهازبي. فمضى ورجع وقد اشترى سمكاً من صنف آخر. فغاظني ذلك وقلت: ألم آمرك أن تشتري من السمك الهازبي؟ قال: بلى، ولكن الطبيب أبقراط كتب يقول إن الهازبي يولِّد السوداء، وهذا سمك أقل غائلة! فقلت: يا ابن الفاعلة! أنا لم أعلم أني اشتريت جالينوس! وقمتُ عليه فضربته عشر مقارع. فلما فرغتُ من ضربه أخذني وأخذ المقرعة وضربني سبع مقارع، وقال: يا مولاي، الأدب ثلاث، والسَّبْع فضل، وذلك قصاص، فضربتك هذه السَّبع خوفاً من القصاص يوم القيامة! فغاظني هذا، فرميته فشججته، فمضى من وقته إلى ابنة عمي، فقال لها: يا مولاتي، إن الدّين النصيحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ غَشَّنا فليس منا. وأنا أُعْلمك أن مولاي قد تزوج فاستكتمني، فلما قلت له لا بدّ من تعريف مولاتي الخبر ضربني وشجّني. فمنعتني بنت عمي من دخول الدار، وحالت بيني وبين ما فيها، فلم أر الأمر يصلح إلا بأن طلقت المرأة التي تزوجتها. وقلت في نفسي: أعتقه وأستريح، فلعله يمضي عني. فلما أعتقته لزمني وقال: الآن وجب حقُّك عليّ. ثم إنه أراد الحج، فجهّزته وزوّدته وخرج. فغاب عني عشرين يوماً ورجع. فقلت له: لِمَ رجعت؟ فقال: فكرت وأنا في الطريق فإذا الله تعالى يقول: (ولله على الناس حِجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً)، وكنتُ غير مستطيع، وفكرت فإذا حقك أوجب، فرجعت! ثم إنه أراد الغزو، فجهّزته، فلما غاب عني بعتُ كل ما أملك بالبصرة من عقار وغيره، وخرجت عنها خوفاً من أن يرجع!

من كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير