أَما كتابتها فالشائع أَن تكتب بالنون عاملة ومهملة. وقيل: تكتب بالنون عاملة. وبالألف منونة مهملة. أَما عند الوقف فالصحيح أَن تبدل نونها أَلفاً تشبيهاً لها بتنوين المنصوب، كما أَبدلوا نون التوكيد الخفيفة أَلفاً عند الوقف كذلك. أَما رسمها في المصحف فهو بالألف عاملة ومهملة. ورسم المصحف لا يقاس عليه، كخط العروضيين.
وهي لا تنصبُ المضارعَ إلا بثلاثة شروطٍ:
الأولُ: أَن تكونَ في صدر الكلام، أَي صدرِ جملتها، بحيثُ لا يسبقها شيءٌ له تعلقٌ بما بعدها. وذلك كأن يكونَ ما بعدَها خبراً لما قبلها ونحو: "أَنا إذَنْ أُكافِئُكَ" أَو جوابَ شرطٍ، نحوُ: "إن تُزرني إذَنْ أَزركَ" أَو جواب قسمَ، نحو: "واللهِ إذَنْ لا أَفعلُ". فإن قلتَ: "إذَنْ واللهِ لا أَفعلَ"، فقدَّمتَ "إذنْ" على القسم، نصبتَ الفعلَ لتصدُّرِها في صدر جملتها.
ومن عدم تصدرها، لوقوعها جواب قسم، قولُ الشاعر:
*لئِن جادَ لي عبدُ العَزيزِ بِمِثْلها * وأَمكَنني منها، إذنْ لا أُقِيلُها*
(فقد رفع "أقيل" لأن "إذن" لم تتصدر، لكونها في جواب قسم مقدر، دلت عليه اللام التي قبل "إنّ" الشرطية. والتقدير: والله لئن جاد لي". وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه. وقد أهملت "إذن" لوقوعها بين القسم وجوابه، لا بين الشرط وجوابه، كما قاله بعضهم، لأنه إذا اجتمع شرط وقسم، فالجواب للسابق منهما. وجواب المتأخر محذوف، لدلالة جواب الآخر عليه).
وإذا سبقتها الواوُ أَو الفاءُ، جاز الرفع وجاز النصبُ. والرفع هو الغالب. ومن النصب قوله تعالى (في قراءةِ غيرِ السبعة): {وإن كادوا لَيَستفزونكَ من الأرضِ ليُخرجوك منها، وإذاً لا يَلبَثوا خلافَكَ إِلا قليلا"، وقوله: {أَم لهم نصيبٌ من المُلك، فإذاً لا يؤْتوا الناسَ نَقيراً} وقرأَ السبعةُ: {وإذاً لا يلبثون ... وإذاً لا يؤتون}، بالرفع. وإذا قلت: "إن تجتهد تنجح، وإذن تفرح"، جزمت "تفرح"، وأَلغيتَ "إذن"، إِن أَردتَ عَطفَه على الجواب "تنجح"، فيكون التقديرُ: "إن تجتهد تنجحْ وتفرحْ"، وذلك لعدم تصدرها، ورفعته أَو نصبتَهُ، إن أَردتَ العطف على جملتي الشرط والجواب معاً، لأنهما كالجملة الواحدة. وإنما جاز الوجهان، لوقوعها بعد الواو. ويكون العطف من باب الجمل، لا من باب عطف المفردات. فتكون حينئذٍ صدرَ جملة مستقلة مسبوقة بالواو، فيجوز الوجهان. رفع الفعل ونصبه.
فإن كان شيءٌ من ذلك أَليغتها ورفعتَ الفعلَ بعدها، إلا إن كان جوابَ شرطِ جازٍم، فتجزمُه، كما رأَيتَ، ونحو: "إن تجتهدْ إِذَن تَلْقَ خيراً". فعدمُ التَّصدير، المانعُ من إعمالها، إنما يكون في هذه المواضعِ الثلاثة، لا غيرُ.
الثاني: أَن يكون الفعلُ بعدها خالصاً للاستقبالِ، فإن قلتَ: إذنْ أَظنكَ صادقاً" جواباً لمن قال لك: "إني أُحبك"، رفعتَ الفعلَ لأنه للحال.
الثالثُ: ألاّ يُفصَلَ بينهما وبينَ الفعل بفاصلٍ غير القسمِ و (لا) النافية، فإن قلتَ: "إذَنْ هم يقومون بالواجب". جواباً لمن قال: "يجود الأغنياء بالمال في سبيل العلم"، كان الفعلُ مضارعاً، للفصل بينهما بغير الفواصل الجائزة.
ومثال ما اجتمعت فيه الشروطُ قولك: "إذَنْ أَنتظرَك"، في جواب من قال لك (سأزورُك) فإذَنْ هنا مصدَّرةٌ، والفعلُ بعدَها خالصٌ للاستقبال. وليس بينها وبينه فاصل.
فإن فُصلَ بينهما بالقسمِ، أو "لا" النافية، فالفعلُ بعدها منصوبٌ. فالأولُ نحو: "إذَنْ واللهِ أُكرِمَكَ" وقولِ الشاعر:
*إذَنْ، واللهِ، نَرمِيَهُمْ بِحَرْبٍ * تُشِيبُ الطِّفْلَ من قَبْلِ المَشيبِ*
والثاني نحو: "إذَنْ لا أجيئَكَ".
وأجاز بعضُ النحاةِ الفصلَ بينهما - في حال النصب - بالنداء، نحو: "إذَنْ يا زُهيرُ تنجحَ"، جواباً لقوله: "سأجتهدُ". وأَجاز ابنُ عصفورٍ الفصلَ أَيضاً بالظرف والجارّ والمجرور. فالأولُ نحو: "إذَنْ يومَ الجَمعةِ أجيئَكَ" والثاني نحو "إذَنْ بالجِدّ تبلُغَ المجدَ".
وقد جمعَ بعضُهمُ شروط إعمالها والفواصلَ الجائزةَ بقوله:
*أَعملْ "إذَنْ" إذا أتتكَ أَوَّلا * وسُقتَ فعلا بعدها مُستّقبلا*
*واحذَر، إذا أَعملتَها، أَن تفصِلا * إلاّ بِحلَفٍ أو نداءٍ أَو بِلا*
*وافصِلْ بِظرفٍ أو بمجرورٍ على * رأيِ ابنِ عُصفورٍ رئيسِ النُّبلا*
وبعضهم يُهملُ "إذن"، معَ استيفائها شروطَ العمل. حكى ذلك سيبويه عن بعض العرب. وذلك هو القياس. لأن الحروف لا تعمل إلا إذا كانت مختصَّة. و "إذن" غيرُ مختصَّةٍ، لأنها تباشرُ الأفعال، كما علمتَ، والأسماءَ، مثل: "أَأَنتَ تُكرِمُ اليتيمَ؟ إذن أنتَ رجلٌ كريمٌ".
(4) كي، وهي: حرف مَصدريَّةٍ ونصبٍ واستقبال. فهي مثل: "أنْ"، تجعل ما بعدها في تأويل مصدر. فإذا قلتَ: "جئتُ ليك أتعلَّمَ"، فالتأويلُ: "جئتُ للتعلُّم" وما بعدها مؤَوَّل بمصدرٍ مجرورٍ باللاّمِ.
والغالبُ أن تسبقها لامُ الجرّ المُفيدةُ للتعليل، نحوُ: {لكيلا تأسَوْا على ما فاتكم}. فإن لم تسبقها، فهي مُقدَّرةٌ، نحو: "استقِم كيْ تُفلحَ" ويكون المصدرُ المؤوَّلُ حينئذ في موضع الجرّ باللام المقدَّرة، أَ يكونُ منصوباً على نزع الخافض.
¥