بحثٌ مختصرٌ في أحوالِ المصدرِ ..
ـ[ابن بريدة]ــــــــ[27 - 06 - 2007, 02:36 ص]ـ
هذا بحث مختصر كُلفت بالقيام به في الجامعة، فأحببت أنه أضعه بين أيديكم، لتستفيدون منه، ولأستفيد من ملحوظاتكم ونقدكم.
**أحوالُ المصدرِ:
المصدرُ ثلاثةُ أقسامٍ: مضافٌ، ومنونٌ، ومقرونٌ بأل.
فإعمالُهُ مضافًا أكثرُ من إعمالِهِ في القسمين الآخرَين، وهذا متفقٌ عليه.
فيضافُ إلى الفاعلِ تارةً، كقولِهِ تعالى: {ولولا دفعُ اللهِ الناسَ}، وتارةً يضافُ إلى المفعولِ، كقولِ الشاعرِ:
ألا إنّ ظلمَ نفسِهِ المرءُ بيّنٌ ** إذا لم يصنها عن هوىً يغلبُ العقلا
وعملُهُ منونًا أقيس -أي أقوى في القياسِ من عملِهِ مضافًا أو مقرونًا بأل؛ لأن المصدرَ إنما أُعملَ لشبهِهِ بالفعلِ، وبالتنكيرِ يقوى شبهُهُ به لأن الفعلَ نكرةٌ في المعنى- نحو قولِهِ تعالى: {أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ. يتيمًا} فـ (إطعام) مصدرٌ، وفاعلُه محذوفٌ، و (يتيمًا) مفعولَه، والتقديرُ: أو إطعامه يتيمًا، ومنعَ الكوفيون إعمالَ المصدرِ المنونِ، وحملوا ما بعدَه من مرفوعٍ ومنصوبٍ على إضمارِ فعلٍ.
وعملُهُ معرفًا بأل قليلٌ في السماعِ وضعيفٌ في القياسِ؛ لبعدِه عن مشابهةِ الفعلِ باقترانِه بأل، فإن قيلَ: تقدمَ أنَّ المصدرَ المضافَ يعملُ كثيرًا ولم تبعدْه الإضافةُ عن شبهِ الفعلِ مع أنَّ المضافَ كالمعرفِ بأل، فالجوابُ: إنَّ الإضافةَ متأخرةٌ عنهُ فهو قبلَها واقعٌ موقعَ الفعلِ بخلافِ المعرفِ بأل.
ومثالُ المصدرِ المقرونِ بأل قولُ الشاعرِ:
ضعيفُ النكايةِ أعداءَه ** يخالُ الفرارَ يراخِي الأجلْ
فـ (النكاية) مصدرٌ مقرونٌ بأل، وفاعلُه محذوفٌ، و (أعداءه) مفعولَه.
والمعنى: ضعيفُ نكايتِه أعداءَه، يظنُّ أنَّ الفرارَ من الموتِ يباعدُ الأجل.
وفي التنزيل: {قلْ إنَّ الموتَ الذي تفرُّونَ منْهُ فإنَّهُ ملاقِيْكُم}.
واختُلفَ في المصدرِ المقرونِ بأل على أربعةِ أقوالٍ:
القولُ الأولُ: وهو الإعمالُ، وهذا رأيُ سيبويه.
وأما القولُ الثانِي: فهو الإهمالُ وعدم الإعمالِ، وهذا رأيُ الكوفيين.
وأما القولُ الثالثُ: فهو الجوازُ على قبحٍ، وهذا رأيُ أبي عليٍّ الفارسيّ.
والقولُ الرابعُ: فالإعمالُ إنْ كانت (أل) فيه معاقبةٌ للضميرِ كما في البيتِ السابقِ ومنعُ: عجبْتُ من الضربِ زيدٍ عمرًا، وهذا رأيُ ابن طلحةٍ ووافقه أبو حيان.
والله ولي التوفيق
** المراجع:
1 – شرح التصريح على التوضيح، للشيخ خالد بن عبدالله الأزهري، تحقيق: محمد باسل عيون السود، الناشر: دار الكتب العلمية (بيروت).
2 – النحو المستطاب سؤال وجواب وإعراب، للدكتور عبدالرحمن الأهدل، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (الرياض).