الوجه الخامس: أن تكون " ذا " زائدة، فيرفع الفعل " حبَّ "، " زيدا "، لأنه فاعل، وهو قول ضعيف.
الوجه السادس: أن تجعل " ذا " مرفوعا بـ" حبَّ " ارتفاع الفاعل بفعله، وتجعل " زيدًا " بدلا منه.
الوجه السابع: أن تجعل " ذا " مرفوعا بـ" حبَّ " ارتفاع الفاعل بفعله، وتجعل " زيدًا " عطف بيان.
وقد ردَّ القولين الأخيرين ابنُ هشامٍ في " مُغنيه ".
ومذهب سيبويه أنَّ " حبَّ " فعلٌ، و" ذا " فاعل.
وقد وافقه ابنُ مالكٍ في " الخُلاصة "، فقال:
" ومِثلُ نِعمَ حبَّذا، الفاعل ذا "
وأرجو الآن أن تأذن لي، بإعادة صياغة المثال، ليصبح مقبولا، وبالحقِّ مشمولا.
فأقول: " حبَّذا أبو الحسين مُعلِّمي "
حبَّ: فعل ماضٍ جامد دالٌّ على إنشاء المدح، مبنيٌّ على الفتح.
ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع فاعل
والجملة من فعل المدح وفاعله في محل رفع خبر مقدم لـ" أبو الحسين ".
أبو: مبتدأ مؤخر مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الخمسة، وهو مضاف
الحسين: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة
معلَّمي، معلَّمِ: نعت لـ" أبو " مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وهو مضاف
الياء: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
والجملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب
وبقية أوجه إعراب " أبو الحسين " سبق الإشارة إليها.
بقي النظر في البيت:
أسيئي بنا أو أحْسني لا ملومة & لدينا ولا مَقْلِيَّة إنْ تَقَلَّتِ
البيت من (الطويل)، وهو لكُثيِّر عزَّة.
قلتَ: " لا ": من الحروف المشبهات بـ" ليس ".
وهذا القول قويٌّ، ولا نحتاج معه للدخول في متاهات الإعراب، واسم " لا " المحذوف الذي قدَّرتَه " أنتِ " جاء معرفة، وهو خلاف لمن اشترط أن يكون معمولاها نكرتين، قال المتنبِّي (من الطويل):
إذا الجودُ لم يُرزَقْ خَلاصًا مِن الأذَى & فلا الحَمدُ مَكسوبًا ولا المالُ باقيا
إلاَّ أنَّ ما ذهبتَ إليه لا يستقيم مع معنى البيت، حيث يردُّه جملة: " إن تَقَلَّتِ "
فكيف يقول: ولا أنتِ مقليَّة، ثم يردف ويقول: إن تقلَّتِ.
كان الأولَى أن يقول: إن تقلَّيْتي، ليستمرَّ الخطاب.
فالصواب – والله أعلم -، أنَّ ضبط البيت برفع " ملومةٌ، مقليةٌ ".
ويكون المعنى: إن أسأتِ أو أحسنتِ فنحن على ما تعرفين.
وتكون " لا " نافية للجنس، وتدخل محبوبته " عزَّة " ضمن أفراد الجنس، ويستقيم قوله: " إنْ تقلَّتِ " بالغَيبة.
وهذا التركيب من باب تكرير " لا "، نحو " لا حولَ ولا قوةَ إلاَّ باللهِ "،
وفي إعرابها خمسة أقوال، غير أنَّ وزن البيت لا يَسمح إلاَّ بوجهين منها:
الرفع في الأولى " ملومةٌ "
والرفع أو الفتح في الثانية " مقليةٌ "
فالرفع في: ملومةٌ ": بالابتداء، أو على إعمال لا عمل ليس، نحو قول الشاعر:
وما هَجرتُكِ حتَّى قلتِ مُعلنةً & لا ناقةٌ ليَ في هذا ولا جَمَلُ
الإعراب على القول الأول: الكلمتان مرفوعتان:
الوجه الأول: لا نافية مهملة
ملومة: مبتدأ مرفوع
لدينا: ظرف مكان متعلق بخبر محذوف
الوجه الثاني: لا نافية عاملة عمل ليس، والمرفوع بعدها اسمها.
وأما رفع الثاني فعلى ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون لا الثانية زائدة، والاسم بعدها " مقلية " معطوفا على " ملومة "
ثانيها: أن تكون لا الثانية نافية مهملة، والاسم المرفوع بعدها " مقلية " مبتدأ خبره محذوف، وجملة المبتدأ والخبر معطوفة على جملة " لا ".
ثالثها: أن تكون لا الثانية نافية عاملة عمل ليس، والاسم المرفوع بعدها " مقلية " اسمها، خبرها محذوف، والجملة معطوفة على الجملة.
الإعراب على القول الثاني: الكلمة الأولى مرفوعة، والثانية مبنية على الفتح:
وبه يقوم الوزن أيضًا، وهو نحو قول الشاعر:
فلا لَغوٌ ولا تأثيمَ فيها & ولا حَينٌ ولا فيها مُليمُ
لا: نافية ملغاة
ملومةٌ: مبتدأ مرفوع
لدينا: متعلق بمحذوف خبر
ولا: الواو عاطفة، لا: نافية للجنس
مقليَّةَ: اسمها مبني على الفتح في محل نصب
وخبرها: محذوف يدل عليه خبر الأولى: ملومة "
والجملة معطوفة على الجملة الأولى
والله أعلم
أخيرًا، إن قال قائل: لمَ لا تكون " لا " نافية مهملة
و" ملومة " نكرة مبتدأ، جاز الابتداء بها لكونها خلفًا من موصوف
لدينا: خبرها
ونفس الشيء يقال في كلمة " مقلية "
ولا حاجة للتعرَّض لهذه الزوبعة من أقوال المعربين؟
قلتُ: ما كلُّ ما يتمنَّى المرءُ يُدركُه.
إذا قيل بهذا الإعراب السهل، فَقدَ البيتُ معناه وترابطه، وصارت جملة " لا ملومة " أجنبية عن جملة: " أسيئي بنا أو أحسني "، ويصبح البيت هزيلاً مُهلهلا، والله أعلم.
ختامًا، هذا جهد المقلّ، وأرجو المعذرة عن بياني المملّ، وتقصيري المخلّ.
وللجميع خالص تحياتي
¥