علةُ حذفِ أحرف العلة عند الجزم.
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[01 - 11 - 2004, 10:36 م]ـ
تمهيد:
الفعل المضارع المعتل الآخر يُرفع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على أحرف العلة، أما الألف فتقدر الضمة عليها لتعذر النطق بها، وأما الواو والياء فتقدر عليهما الضمة لاستثقال النطق بها، وعلى هذا النحويون كلهم، إلا ما نسب إلى ابن السراج من أن الفعل المضارع المعتل الآخر لا تقدر عليه الحركة، لأن الإعراب فرع في الفعل فلا حاجة لتقديره " (1).
وسيأتي مناقشة هذه المسألة، إن شاء الله.
وعلى قول النحويين كلهم إذا دخل الجازمُ الفعلَ المعتل الآخر فإن صورة الفعل تكون بحذف حروف العلة، وموضع الخلاف في المسألة هو علة حذف هذه الحروف عند دخول الجازم. فهل الجازم حذف حرف العلة؟ أو أنه حذف الضمة المقدرة، وجاء حذف الحرف تبعاً لذلك للفرق بين صورة المرفوع والمجزوم؟
وهاك بيانًا لهذه المسألة:
مذهب سيبويه أن الحذف بسبب الفرق بين المرفوع والمجزوم، فقد قال: " واعلم أن الآخِر إذا كان يسكن في الرفع حذف في الجزم لئلا يكون الجزم بمنزلة الرفع، فحذفوا كما حذفوا الحركة ونون الاثنين والجميع، وذلك قولك: لم يرمِ، ولم يِغْزُ، ولم يَخْشَ، وهو في الرفع ساكن الآخر. تقول: هو يرميْ، ويغزوْ، ويخشىْ " (2).
ولتوضيح قول سيبويه هذا قال السيرافي: " ولم يُردْ بقوله: " يسكن في الرفع " أن السكون هو علامة الرفع، وإنما أراد يسكن في حال الرفع بالضم المقدَّر، وقوله: " حذف في الجزم لئلا يكون الجزم بمنزلة الرفع " يعنى حذف الحرف الساكن علامة للجزم، لأنهم لو اقتصروا على حذف الضم المقدر لاستوى لفظ الجزم والرفع، فحذفوا شيئاً يفرق بينهما في اللفظ " (3).
والمذهب الأول - وهو أن الجازم حذف الحرف نفسه - يُنسب إلى ابن السراج، لأن الجازم لما دخل على الفعل المعتل لم يجد حركة يحذفها فحذف الحرف.
وكلام ابن السراج - في الأصول - لايدل على أن الإعراب لايقدر على الفعل المعتل في حالة الرفع والنصب. أما النصب فالإعراب فيه ظاهر.
قال ابن السراج: " إعراب الفعل المعتل الذي لامه ياء أو واو أو ألف مخالف للفعل الصحيح. والفرق بينهما أن الفعل الذي آخره واو أو ياء، نحو: يغزو، أو يرمي، تقول فيهما: هذا يغزو، ويرمي، فيستوي هو والفعل الصحيح في الرفع في الوقف (4)، كما تقول: هو يقتلْ، ويضربْ. فإن وصلت خالف: يقتل " و " يضرب "، فقلت: هو يغزو عمراً، ويرميْ بكراً، فتسكن الياء والواو، ولا يجوز ضمها إلا في ضرورة شاعر. فإن نصبت كان كالصحيح، فقلت: لن يغزوَ، ولن يرميَ. وإنما امتنع من ضم الياء والواو، لأنها تثقل فيهما " (5).
فمن هذا النص يتبين أن من مذهب ابن السراج أن الإعراب ظاهر في المعتل، بالواو والياء، كالصحيح في حالة النصب، وأن الإعراب فيهما في حالة الرفع، إما هو بضمة مقدرة، وامتنع ظهورها، لأنها تثقل في الياء والواو.
والذين فهموا أن الإعراب لايقدر على الفعل المعتل عند ابن السراج كيف يقولون في إعراب الفعل المعتل إذا كان مرفوعاً؟
ولهذا ذهب بعضهم إلى أن الأفعال المعتلة عند ابن السراج مبنية (6)، وقال غيرهم: إنها مرفوعة بنفس الأحرف (7). وهذا لم يقل به أحد من النحويين، فيما أعلم. ويمكن أن يُرَدَّ هذان القولان بكون النصب في المعتل بالواو والياء تظهر فيه الفتحة.
والخلاف في هذه المسألة هو: كيف حَذَفَ الجازمُ حروفَ العلة؟
اختلفت تعليلات النحويين لحذف حرف العلة في الجزم، فسيبويه سبق أنه علل ذلك من أجل ألا يكون الجزم بمنزلة الرفع، أي أن صورة الفعل المضارع المجزوم تكون مثل صورة المضارع المرفوع، لو اقتصروا على حذف الضم المقدر، فحذفوا للفرق بين الفعلين.
وعلل بمثل هذا الصيمري (8)، وأبو حيان (9)، والمرادي (10)، والغزي (11)، والخضري (12)، وذكره السيوطي (13)، عن أبي حيان.
وقال ابن أبي الربيع في الملخص: " وجزم بالحذف خيفة أن يكون المرفوع والمجزوم سواءً " (14).
وعلى هذا فتكون حروف العلة انحذفت عند الجازم لا بالجازم (15).
¥