ـ[العرابلي]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 09:19 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة العاشرة: أم من
أم: حرف جر يستعمل لطلب التعيين لأحد الاثنين؛ وردا بلفظين أو جملتين.
وهو مكون من؛
الهمزة التي تفيد الامتداد المتصل، فهي تدل على وجود آخر متصل بالأول.
والميم التي تفيد الإحاطة، ولذلك لا تدغم الميم إلا في مثلها،
والإحاطة هنا بالأول والثاني وهما كل المذكور.
لذلك كان استعمال "أَمْ" لطلب تعيين أحد الاثنين؛ ولا يكون ذلك إلا بمعرفة الاثنين، والإحاطة بأحوالهما.
والتعيين سيكون لواحد منهما؛
:إما الأول الذي يعرض أولاً، وتسبق المعرفة به والإشارة إليه، وهو المعطوف عليه،
:وإمَّا الثاني الذي يعرض تاليًا ويعطف على الأول.
وكان سبب عرض الثاني هو عدم إقرار الأول، أو بيان فضل الأول من مقارنته بغيره، أو عطفه على مثله.
والتعيين لأحدهما يقتضي أن كل منهما يخالف الآخر، أو أن أحدهما دون الآخر.
فقد يساوى بين أمرين مختلفين، أو يكون أحدهما في حالة الإثبات والآخر في حالة النفي، وعند ذلك يؤتى بلفظ سواء وغيرها، وهمزة التسوية أو المعادلة؛
كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) البقرة.
وقد جاء الرسم القرآني في فصل وقطع "أمْ مَّنْ" تبعًا للمعنى؛
فإن كان التعيين لما بعد "أم"؛ أي المعطوف، وقرر هو دون المعطوف عليه، أو مما اتصلوا به وتعلقوا به، ولو كان باطلاً؛ اتصلت الكلمتان وأصبحتا كلمة واحدة "أمَّنْ".
وإن كان التعيين لما قبل "أم"، وليس للمعطوف بعدها، أو كان العطف على منفي مثله؛ تقطع الكلمتان ولا يتم وصلهما.
ذُكرت "أمَّنْ" في القرآن الكريم في خمسة عشر موضعًا؛ قطعت في أربعة مواضع:
في قوله تعالى: (هَاأَنْتُمْ هَاؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109) النساء.
المعطوف عليه: من يجادل الله عنهم يوم القيامة؟ ... لا أحد
المطوف: من يكون عليهم وكيلا؟ ... لا أحد
فلا وكيل ولا شفيع ولا صديق ولا حميم يتصل بهم يوم القيامة ويدافع عنهم، ويشفع لهم، بل المرء يفر من أقرب الناس إليه؛ لذلك قطعت في الرسم بما يوافق حال القطع الذي هم عليه يوم القيامة.
وفي قوله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) التوبة.
المعطوف عليه؛ من أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان؛ هو خير؟ ... نعم
المعطوف: من أسس بنيانه على شفا جرف هار .. ؛ هو خير؟ .... لا
من أسس بنيانه على جرف هار لا يثبت هو ولا بنيانه، وكذلك من بنى عقيدة فاسدة على هوى وضلال؛ فإنه ينهار هو وبناؤه في نار جهنم.
فعلى ذلك كان الرسم بالقطع يوافقه الحال الذي عليه المتأخر من القطع وعدم الثبات.
وفي قوله تعالى: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) الصافات.
المعطوف عليه: هل الناس هم أشد خلقًا؟ .... نعم
المعطوف: هل الملائكة والجن أشد خلقًا .... لا
كانت النظرة الأولى أن جواب الأول سيكون: لا، وجواب الثاني: نعم.
وعند النظر في الآية لوجود هذا القطع الذي يوجب مراجعة الإجابة؛ أن تغيرت الإجابة
فأشد خلقًا ليست هي مرادفة لأشد قوة.
ومن خلق من مادة جامدة وسائلة هو أشد خلقًا وأثقل ممن خلق من نار أو نور.
وشدة الشيء هي قوة تماسك أجزاءه وترابطها، نقول هذا حجر قاسٍ وهذا أشد منه قسوة.
وقد جاءت هذه الآية بعد ذكر تمكن الشياطين لخفتهم من استراق السمع في السماء، وقذفهم بالشهب التي أغلبها ذرات كذرات الرمل؛ تحترق لسرعتها العالية عند دخول جو الأرض.
وكان ختم الآية؛ (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) هو بيان لسر هذا القطع. وأن المذكور بعد "أم" ليس هو المعين كما يبدو في ظاهره.
¥