تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أمر بالتبليغ بالقول؛ فيه تحد للإتيان بكتاب أهدى من القرآن والتوراة، وكان حالهم مثل الحال السابق في الآيتين، ثم قيل للنبي صلى الله عليه وسلم؛ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ)، وقد فارق عليه الصلاة والسلام الدنيا، وهم على نفس الحال من العجز وعدم القدرة والاستجابة، فكان القطع موافقًا لتحد منقطع، حده نهاية حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تواصل التحدي من الأمة التي حملت هذا التحدي من بعده، فأصبح التحدي هو تحديها كما يأتي في الآية التالية التي وصلت فيها.

ووصلت في قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) هود.

فكان وصلها في هذا الموضع؛ لأن الخطاب في الآية موجه للمسلمين؛ (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ)، والمسلمون أمة بدأت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، واستمرت إلى يومها هذا، وإلى ما شاء الله تعالى، وحاملة لهذا التحدي من بعده؛ فالتحدي قائم وموصول مع بدايته، ولا انقطاع له إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، ولذلك جاء الوصل موافقًا لتواصل التحدي للكافرين من الأمة التي حملته دون توقف ولا انقطاع.

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة التاسعة: قطع أنّ ما

وردت "أنَّ ما" في القرآن الكريم في واحد وعشرين موضعًا؛ وصلت في تسعة عشر موضعًا منها، وقطعت في موضعين فقط؛

في قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) الحجّ.

وفي قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) لقمان.

في الآيتين تقرير من الله تعالى بنفس النص؛ بأن الذي يدعونه من دون الله تعالى هو باطل لا حقيقة له، ولا وجود له، وهو من اختلاقهم، وفساد عقولهم.

فكيف يكون وصل مع لا وجود له، فـ "أنَّ" جاءت تأكيدًا على أنه باطل، وليس تأكيدًا على صحة وجوده.

فجاء القطع صورة لما عليه واقع انقطاع أهل الكفر والشرك عن باطل يدعونه من دون الله عز وجل.

أما وصل "أَنَّمَا" في بقية المواضع فعائد إلى لزوم الأمر أو الوصف وما لا يمكن نقضه؛ كألوهية الله تعالى ووحدانية؛

في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ (110) الكهف.

وفي قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) الأنبياء.

وفي قوله تعالى: (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ (52) إبراهيم.

وفي قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ (6) فصلت.

وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نذير، وعليه البلاغ بالحق الذي أنزل عليه من ربه؛

كما في قوله تعالى: (إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) ص.

وفي قوله تعالى: (وَأَطِيعُ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة.

وفي قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى (19) الرعد.

وفي قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ (14) هود.

وأن الأموال والغنائم وما يمدهم الله به في أيدي الناس هو ملتصق بهم، وأكثره فتنة لهم في الحياة الدنيا؛

كما في قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ... (41) الأنفال.

وفي قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) الأنفال.

وفي قوله تعالى: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) المؤمنون.

وفي قوله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ (178) آل عمران.

وفي قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ (20) الحديد.

وأنه لا راد لما يريده الله بالكافرين من العذاب؛

في قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ (49) المائدة.

وان الكافرين يتبعون أهواءهم التي تصرفهم عن الحق ويتمسكون بها؛

في قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ (50) القصص.

وأن داود عليه السلام قد وقع فعلاً في الفتنة، فاستغفر وخر راكعًا، فغفر الله له؛

في قوله تعالى: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) ص.

وأن الشجر لا ينفك اتصاله بالأرض؛

في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ (27) لقمان.

وأن نسبة الخلق إلى الله ثابتة لا منكر لها، وإن حدث إنكار للسبب والبعث؛

في قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون.

والتصاق الدعوة بهم إلى ما ليس له دعوة في الدنيا والآخرة؛ فكان جزاؤهم نار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا؛

في قوله تعالى: (لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآَخِرَةِ (43) غافر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير