ووصلت في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) يونس.
فما وقع بعد "أم" هو من تعلقوا به، وجعلوه شريكًا لله؛ من رؤوس الكفر والضلالة والداعين إليها، كم قال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ (31) التوبة، ومن تعلقوا به على حال لا يهتدي حتى يُهدى؛ فاستنكر الله تعالى عليهم هذا الانحطاط الذي هم عليه العباد برب العباد؛ بقوله: (فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) يونس.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الحادية عشرة: قطع لات حين
وردت لات حين مرة واحدة؛
في قوله تعالى: (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) ص.
قطعت التاء عن حين في ولا تحين، لتصبح في الرسم؛ "ولات حين"
والتاء أحد حروف المضارعة الأربعة المجموعة في كلمة "نأتي"
وسر استخدام هذه الحروف للمضارعة مبني على معانيها؛
فنون النزع استعملت علامة للمتكلم الجمع، لأنهم ينزعون أنفسهم عن البقية؛ نحن نزرع، نعمل، ...
وهمزة الامتداد المتصل؛ استعملت علامة للمتكلم الفرد؛ لأن المتكلم يضيف بكلامه وبفعله شيئًا جديدًا يظل متصلا به ومنسوبًا إليه؛ أنا أكتب، أقرأ، أفعل كذا، .....
وياء التحول استعملت علامة للمذكر الغائب، لأن المذكر هو المكلف بالعمل، وعدم وجوده في مكانه أو منزله هو بسبب التحول لعمل يؤديه بعيدًا عن أعين الحاضرين، هو يحرث، يسافر، ..
وتاء التراجع استعملت علامة للمؤنث الغائب، لأن تحول الأنثى هو تراجع لها إلى بيتها الذي خرجت منه فظهرت بحضورها،
والقول في لات أنها مشبهة بليس؛ واسمها محذوف؛ أي ولات الحين أو أحياننا حين مناص
وأن لا النافية للجنس زيدت عليها التاء.
وجاء في تفسير القرطبي لهذه الآية: "وكان الكسائي والفراء والخليل وسيبويه والأخفش يذهبون إلى أن «وَلاَتَ حِينَ» التاء منقطعة من حين، ويقولون معناها وليست".
ومعنى ولات حين مناص: لا وقت للفرار والنجاة، ولا وقت للتوبة والرجوع عن الذنوب.
وبهذا الرسم القائم على قطع التاء تحصل فوائد عديدة؛
- أن استقلال التاء وحدها ثم جعلها مع لا؛ أفادت النفي المطلق للتراجع؛ أي أنه لا تراجع لهم ينجيهم، لا بالفرار ولا بالتوبة.
- وبقطع التاء عن الفعل المضارع (تحين) الدال على تجدد الحدث، حوله إلى اسم ثابت (حين)، فالعذاب ثابت وقوعه بهم ولا مفر لهم منه، وهو مسلط عليهم في الآخرة ولا مخرج لهم منه، ولن يأت حين يكون فيه مناص لهم في الدنيا ولا في الآخرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثانية عشرة: قطع لام الجر عن مجرورها
حرف اللام حرف يستعمل للقرب والإلصاق في جذور اللغة، وفي حروف المعاني،
واستعمالات لام الجر كثيرة؛ للاختصاص وللاستحقاق، وللملك، وشبه الملك، وللتمليك، وشبه التمليك، والتعليل، والتبيين، والقسم، والتعدية، والصيرورة، والتعجب، والتبليغ، وتضمن معاني إلى، وفي، وعن، وعلى، وعند، وبعد، ومع، ومن، ولام الاستغاثة به، ولام المدح والذم، والزائدة.
وحيثما استعملت اللام، فإن استعمالها هو مبني على استعمالها للقرب والإلصاق، وحقها الاتصال بما بعدها.
وقد استعملت اللام كحرف جر في القرآن الكريم مرات كثيرة جدًا؛ إلا أنها لم تقطع عن مجروها إلا في أربعة مواضع فقط؛
وفي قوله تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف.
وسبب هذا القطع مبني على المعنى؛ لأن المجرمين يصدمون بحصر الكتاب لجميع أعمالهم، وإغلاق أبواب العتب والاعتذار والنجاة أمامهم، فهم يريدون بقولهم هذا أن تقطع عن الكتاب صفته في دقة رصد أعمالهم وحصرها عليهم، فجاء الرسم موافقًا لما قصدوا من قولهم.
¥