وقطعت اللام في قوله تعالى: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) الفرقان.
ويرجع هذا القطع لما أراده الكفار؛ بأن ينفصل الرسول صلى الله عليه وسلم عن حاجته لأكل الطعام، والسعي في الأسواق؛ ليصح أن يكون رسولاً عندهم؛ فقطعت اللام بما يوافق ما أرادوه بقولهم هذا. فهم لم يأتوا بذكر أكل الطعام والمشي في الأسواق لأجل تقريره، بل لأجل بيان أن من يتصف بالأكل والسعي في الأسواق لا يصح أن يكون رسولاً في رأيهم.
وقطعت اللام في قوله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) النساء.
ويرجع قطعها في هذا الموضع إلى أن الله تعالى يريد منهم أن ينفصلوا عن هذا الجهل، وعدم الفقه الذي هم عليه، وأن الأمور كلها؛ بخيرها وشرها بيد الله عز وجل، فمن مات أو قتل إنما كان موته بقدر من الله عز وجل، وليس لأنه كان في حرب، وأن قدر الله الذي قدره له بالموت سيلحق به أينما حل وأقام.
وقطعت اللام في قوله تعالى: (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) المعارج.
مُهْطِعِينَ: مسرعين نحوك، مادّي أعناقهم إليك، مقبلين بأبصارهم عليك.
عِزِينَ: فرقا شتى كل فرقة من ثلاثة أو أربعة، كانوا يجتمعون حول الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستهزئون بما جاء به. فاستنكر تعالى عليهم فعلهم، على قصد تركه وقطعه؛ فكان الرسم موافقًا لما أراد الله تعالى من ذكر ذلك عنهم.
وقد جاءت اللام في خبر "ما" حيث ما؛ اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، وكان الاستفهام في هذه المواضع هو استفهام استنكاري.
فلم يكن مجيء اللام في هذه المواضع الأربعة التي قطعت فيها؛ لأجل إقرار الخبر وتوكيده، بل لأجل الرغبة في قطعه وإبعاده، وعدم الاتصاف به، وعلى ذلك كان الرسم بالقطع.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثالثة عشرة: قطع حيث ما
وردت "حيث ما" في القرآن مرتان؛ وقد قطعت فيهما؛
في قوله تعالى: (قدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (144) البقرة.
وفي قوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (150) البقرة.
المخاطبين بهذه الآية هم من انقطع محلهم عن المسجد الحرام، وهذه الآيات نزلت في المدينة بعد الهجرة، فطلب منهم أن يتوجهوا إلى الشطر الذي فيه المسجد الحرام، وفي ذلك رفع الحرج عن الأمة إن مال التوجه قليلا عن يمين القبلة أو شمالها؛ وعلى ذلك كان القطع في الرسم موافقًا للقطع الكائن في الرؤية بين المصلي والمسجد الحرام.
أما من كان في مكة أو الحرم فلا يشكل عليه أمر التوجه إلى الكعبة لأنها تكون أمام عينيه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الرابعة عشرة: قطع يوم هم
وردت "يوم هم" في القرآن سبع مرات؛ قطعت في موضعين منها؛
في قوله تعالى: (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) غافر.
في قوله تعالى: (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) الذاريات.
اسم الإشارة "هم" في هذين الموضعين هو مبتدأ؛ وخبره في الأولى بارزون، وفي الثانية جملة يفتنون في محل رفع خبر المبتدأ هم.
ويوم في الأولى بدل من يوم التلاق في الآية السابق لها، وهي ظرف منصوف لفعل مقدر بمعنى يأتي أو يجيء.
ولم يضف اسم الإشارة "هم" إلى الظرف الذي قبله "يومَ"، لذلك جرى القطع في الرسم لعدم وجود سبب لوصلهما، ولإبعاد مظنة الإضافة فيه المخلة في المعنى.
¥