وكان القطع موافقًا لما أُخبر عنه في الآيات التي جاءت فيها "إنِْ مِنْ"؛
فقد قطعت في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) النساء.
فأهل الكتاب سيقطعون القول بألوهية عيسى ابن مريم عليه السلام، وقولهم إن الله ثالث ثلاثة، تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا؛ وذلك بعد نزوله، وسيؤمنون بعيسى عليه السلام؛ عبدًا لله ورسوله، وكلمة منه ألقاها إلى مريم، كما أخبر ذلك الله تعالى عنه، ولا يصح الإيمان منهم إلا بعد قطع أقوالهم فيه أولاً، وعلى ذلك كان القطع في الرسم.
وقطعت في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) الحجر.
الشيء هنا هو الرزق الذي عرفوه مما قطع من خزائن الله تعالى ليكون رزقًا لهم، فلأجل ذلك كان القطع لها في الرسم.
وقطعت في قوله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء.
فكل شيء هو يسبح لله تعالى، ولكن هذا التسبيح مقطوع عنا الفقه فيه، وعلى ذلك كان القطع في الرسم.
وقطعت في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) الإسراء.
فهلاك القرية هو قطع لحياة أهلها، وقطع لاستعمارها الناس لها، وكل قرية هي هالكة قبل يوم القيامة، فمنها من يقطع بهلاكه عن شهود العذاب في قيام القيامة، وآخرهم هم ممن بقي في قلبه ذرة إيمان، ثم تقوم القيامة على شرار الناس، ووافق القطع في الرسم هذا القطع بالهلاك.
وقطعت في قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ (24) فاطر.
الأمم كثيرة، والرسل قبل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كانوا ينذرون أقوامهم يوم القيامة هم كثر؛ وقد انقطع وجوده قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام، وانقطع وجود أمم كثيرة كذلك.
فالقطع في هذه الآيات وافق القطع المخبر عنه، ووافق التعميم تفرق وتباعد الأمم على الأمكنة وفي الأزمنة.
ـ[العرابلي]ــــــــ[16 - 03 - 2009, 09:22 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة العشرون: وصل وقطع أينما
وردت أينما (12) مرة؛ قطعت في (8) مواضع، ووصلت في (4) مواضع؛
فقد وصلت في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) البقرة.
الصلاة تصل إلى الله، ولا يقطعها بعد مكان إقامتها عن المسجد الحرام، ولا الجهة التي يقع فيها المسجد الحرام، وعلى ذلك كان الوصل على تأكيد بلوغ صلاتك لربك الذي تصلى له.
ووصلت في قوله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ (78) النساء.
الموت موصول بالإنسان، ولا مفر لأحد منه إلى أي مكان قد يوجد فيه أو ينتقل إليه، وعلى ذلك كان الرسم بالوصل لا القطع، فلا مفر لمخلوق من إدراك الموت له.
ووصلت في قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ (76) النحل.
لا يغير حال الأبكم الكَلَّ على مولاه تغير الجهة التي يوجه إليها، وعجزه يظل متصلاً، وملصقًا به، وعلى ذلك كان الوصل في الرسم لا القطع.
ووصلت في قوله تعالى: (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) الأحزاب.
اللعنة تلاحق المنافقين والمرجفين أينما ثقفوا؛ أي أينما وجدوا وأي مكان ينطلقون إليه أو يدخلون متسللين فيه؛ فإن تثقيف السهم هو لتسهيل دخوله في الرمية ومروقه منها، وعلى ذلك كان الرسم بالوصل لا القطع لوصول اللعنة إليهم.
¥