وقطعت في قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) البقرة.
الجمع والإتيان يكون لما هو متفرق ومتباعد، وليس لما هو مجموع ومتقارب؛ وعلى ذلك جاء الرسم بالقطع لا الوصل.
وقطعت في قوله تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ (112) آل عمران
التفرق يلحق بأهله الذل والهوان، وقد قضى الله تعالى على بني إسرائيل التفرق أمما مشتتين في الأرض، إلا ما استثناه الله تعالى لبعض منهم؛ وعلى ذلك كان القطع لارتباط الذل بالتفرق.
وقطعت في قوله تعالى: (حَتَى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) الأعراف.
سؤال عما عبدوهم في الحياة الدنيا، ولا وجود له في الآخرة؛ فكان الرسم بالقطع موافقًا لما لا وجود له في الآخرة عند السؤال عنه.
وكان القطع لنفس السبب في آيتي الشعراء وغافر؛
في قوله تعالى: (وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) الشعراء.
وفي قوله تعالى: (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) غافر.
وقطعت في قوله تعالى: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَواةِ وَالزَّكَواةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) مريم.
البركة لعيسى عليه السلام ليست محصورة بمكان ولادته، وأرض قومه؛ بل هي ملازمة له أينما انتقل ورحل، وتباعد عن قومه، وأرضهم؛ فجاء القطع موافقًا لما أخبر به عليه السلام عن نفسه.
وقطعت في قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) الحديد.
بسبب طبع الإنسان، وضروريات الحياة؛ فإنه لا يظل محصورًا في مكان واحد، وعليه الانتقال في الأرض، والانتشار فيها، وعلى ذلك كان الرسم بالقطع؛ وتظل معية الله لنا قائمة حيث كنا.
وقطعت في قوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا (7) المجادلة.
سبب القطع في هذا الموضع هو نفسه في الآية السابقة؛ مع زيادة في التفصيل؛ قل عددهم في أماكن تواجدهم أم كثر، جهروا بصوتهم، أم تناجوا بينهم؛ فالله السميع البصير هو معهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الحادية والعشرون: وصل وقطع بئسما
بئسما بالقطع والوصل كلها وردت في أهل الكتاب، وقد انقسم فعلهم على حالين؛ حالة يعودون فيه إلى المعصية أو الشرك والكفر بعد الخروج منه، وحالة يخرجون من إيمان وطاعة كانوا عليها؛ فإن كان العودة لكفر سابق كتب بالوصل، وإن كان الخروج من إيمان سابق كتب بالقطع.
وردت بئسما تسع مرات؛ قطعت في ستة مواضع، ووصلت في ثلاثة منها؛
فقد وصلت في قوله تعالى: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ (150) الأعراف.
كل رسول يرسل لقومه إنما يرسل لإخراجهم من البؤس الذي هم فيه، وعلى رأسه الإشراك بالله عز وجل؛ فعندما يرجعون إلى إشراكهم بالله بعد خروجهم منه؛ إنما هم يستمرون على الحال الذي كانوا عليه من قبل؛ وعلى ذلك كان الرسم بوصل بئسما.
ووصلت في قوله تعالى: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) البقرة.
كان هذا الفعل من أهل الكتاب الذين كانوا يبشرون بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ ويستفتحون على الذين كفروا به؛ فلما جاء النبي بالكتاب الذي نزل عليه مصدقًا لما معهم؛ كفروا به واستمروا على ما هم عليه من البؤس الذي هم فيه، فعلى ذلك كتبت بالوصل لا القطع.
¥