هو: أحمد [2] بن سليمان بن كما باشا، الملقب شمس الدين.
اشتهر بابن كمال باشا. تركي الأصل، مستعرب.
حياته:
كانت لأسرته مكانة عالية إضافة إلى ما عرفت به من علم وفضل فقد كان جدّه من أمراء الدولة العثمانية، ولذا فقد نشأ ابن كمال في بيت جاهٍ وسلطان، وهذا يجعل حياته مرفّهة ومنعمّة، ولكنه التحق بالجيش وهو شاب، فكان لهذا أثر في تكوين شخصيته، من حرصٍ على الوقت، وجدٍّ، وتحمّلٍ للشدائد، والصبر على الصعوبات.
وأراد الله له الخير والذّكر الحسن، فرأى منظراً صرفه عمّا هو فيه من عملٍ إلى طلب العلم، وقد وصف ذلك المنظر، فذكر أنه كان مسافراً مع السلطان بايزيد خان ووزيره إبراهيم باشا، ثم صادف أن كان في حضرة الوزير أمير ليس في الأمراء أعظم مكانةً منه؛ لا يتصدّر عليه أحد من الأمراء، وبينما ابن كمال في هذا الموقف العسكري، الذي يقف فيه كل إنسان عند حدود رتبته، ولا يتطلّع إلى أعلى منها؛ إذا هو يشاهد رجلاً رثّ اللباس؛ لا تدلّ هيئته على علوّ منزلة، يخطو خطوات واثقة، فيتصدّر المجلس، ويتبوأ مكاناً أعلى من الأمير، فتدخل الدهشة والحيرة نفس ابن كمال، ويتساءل: لماذا لم يمنعه أحد؟! ولماذا رضي الأمير بهذا الأمر؟! وهمس إلى بعض رفقائه: من هذا الذي تصدّر على مثل هذا الأمير؟!.
فأخبره: إن هذا عالم، يقال له: المولى لطفي.
ولكن ابن كمال لم يقتنع بهذا الجواب، فهو لا يزال يزن الأمور بميزان مادّيّ بحتٍ، ولذا فقد سأل رفيقه أيضاً: كم وظيفته؟ أي ما مقدار ما يتقاضاه من الأجر؟ فأجابه رفيقه: ثلاثون درهماً. ويدهش دهشة كبيرةً، لهذه المكانة التي أتيحت لهذا الرجل؛ إذ كيف يقدّم على الأمير ووظيفته بهذا المقدار الضّئيل؟
ولكن رفيقه بيّن له حقيقة الأمر، فقال:
العلماء معظّمون لعلمهم، فإنه لو تأخّر لم يرض بذلك الأمير ولا الوزير.
وكان له في هذا القول تفكير وتأمّل، دفع به إلى طلب العلم، فهو يريد علوّ المنزلة، ولا يمكن أن يصل إلى منزلة الأمير، ولكنه لو طلب العلم، فأصبح عالماً، فإنّه سيصل إلى منزلة أعلى، ولهذا فقد قرّر أن يكون تلميذاً؛ وكانت هذه بداية انطلاقه نحو تحصيل العلوم المتنوّعة، وبذل في سبيلها أقصى جهده، ووجّه كلّ طاقاته، فحصل له خير كثير، وجمع فنوناً عديدةً، برع فيها كلها وقد وصفه صاحب الشقائق النعمانية وصفاً رائعاً حين قال: "كان رحمه الله تعالى من العلماء الذين صرفوا جميع أوقاتهم إلى العلم، وكان يشتغل به ليلاً ونهاراً، ويكتب جميع ما لاح بباله .. وقد فتر الليل والنهار ولم يفتَّر قلمه" [3].
وأثمر هذا الجهد عن مكانة عالية، وعلم متدفّق، جعلت ابن كمال باشا يتولّى التدريس في عدد من المدارس، حتى وصل إلى أرقاها؛ فدرّس في مدرسة علي بك بمدينة أدرنة، ثم بمدرسة أسكوب، ثم درّس بإحدى المدارس الثمان [4]، ثم بمدرسة السلطان بايزيد بأدرنة.
وتولّى بعد ذلك القضاء بأدرنة. ثم قضاء العسكر الأناضولي. وانتهى به المطاف ليستقرّ في الإفتاء بالقسطنطينية إلى أن توفي سنة 940هـ[5] رحمه الله تعالى.
مؤلفاته:
كان ابن كمال باشا باحثاً موسوعياًّ، خاض غمار التأليف في فنون شتّى، ولو تصفّحنا عناوين مؤلفاته التي ذكرت في المصادر لوجدناه عالماً فذاًّ محيطاً بكثير من العلوم، فقد صنّف في: التفسير، والفقه، والفرائض، والأصول، وعلم الكلام، والبلاغة، واللغة، ولم يقف عند التأليف بالعربيّة، ولكنه ألّف بالفارسيّة والتركيّة، كما كان بارعاً في النظم والإنشاء أيضاً، فهو رجل موهوب، وقد وهب نفسه للعلم، فأثمر جهده عن حصيلة متميّزة، وليس من اليسير حصر مؤلفاته، خاصة أنه كان يعمد إلى اختيار الموضوعات الدقيقة، فيصنف فيها، ولذا كثرت رسائله، فقال عنه صاحب الشقائق "وصنّف رسائل كثيرة في المباحث المهمّة الغامضة، وكان عدد رسائله قريباً من مائة" [6]. وشبّهه د/ناصر الرشيد في كثرة تأليفه "بالسيوطي وابن الجوزي وابن حزم وابن تيمية ممن اشتهر في تاريخ الإسلام بكثرة التأليف" [7].
وسأشير هنا إلى ما وقفت عليه من مؤلفاته:
1 - أسرار النحو. وقد حققه د. أحمد حسن حامد [8].
2 - إصلاح الإيضاح، أو إيضاح الإصلاح [9] في الفقه وهو شرح لمتن للمؤلف.
3 - تاريخ آل عثمان [10].
4 - تجريد التجريد [11] في علم الكلام.
5 - تغيير التنقيح [12] في الأصول وهو شرح لمتن للمؤلف.
¥