تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فنقصان إيمانه فرع عن نقصان عمله، وزيادته فرع عن زيادته، إذ التناسب بينهما طردي يجده كل منا في قلبه، فإن الإيمان شجرة تنبت في القلب، بذرها: العقد الأول: شهادة بتوحيد الله، عز وجل، ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فذلك قول القلب الذي به يتحقق مطلق الإيمان.

وماؤها الذكر والعمل، فتروى بأعمال القلوب من خوف ورجاء وتوكل ........ إلخ، وأعمال اللسان من ذكر وتلاوة، وأعمال الجوارح من صلاة وصيام .......... إلخ، فتنمو بذرة مطلق الإيمان المصحح لما يليه من الإسلام الذي علقت أحكامه على شهادة التوحيد نطقا، فيثبت لقائلها الإسلام ما لم يرتكب ناقضا من نواقضها يبطل العقد الأول بعد بيان المحجة وإقامة الحجة، فإذا مرت بطور الإسلام، زِيد في سقائها بصالح الأعمال والأذكار فتأصلت جذورها ونمت فروعها فصارت دوحة عظيمة في قلب المكلف: دوحة الإيمان المطلق الذي ينجو صاحبه من الوعيد ابتداء، فهو من أهل الوعد مطلقا، والله، عز وجل، كريم لا يخلف ميعاده تفضلا لا جبرا، فمناط الأمر: مطلق إيمان باطن يليه إسلام ظاهر، فإيمان مطلق ينتظم الباطن والظاهر، ولا يصل العبد إلى تلك المراتب الشرعية الرفيعة إلا بعد أن يأذن الله، عز وجل، بإرادته الكونية القاهرة ببذر تلك البذرة الطيبة في قلب المكلف، والله، عز وجل، قدير: يصرف القلوب على الطاعة فضلا، أو المعصية عدلا، حكيم لا يضع تلك البذرة إلا في أرض خصبة، فمن القلوب ما هو صالح قابل للبذر، فيقع التأثير فرعا عن قبول المحل الذي فطره الله، عز وجل، على الاستقامة، وأمده بأسبابها فضلا، ومن القلوب ما هو فاسد لا يقبل البذر، فينعدم التأثير فرعا عن عدم قبول المحل، إذ قدر الله، عز وجل، عليه بإرادته الكونية النافذة: الفساد، لحكمة تفوق مصلحة صلاحه، لا تدركها العقول القاصرة، وأنى لها أن تحيط بالحكمة البالغة؟!، وقطع عنه أسباب الاستقامة عدلا، مع خطابه بالشرع خطابا كخطاب القلب الصالح، فالتكليف الشرعي متماثل فرعا عن الاستطاعة السابقة، التي بها يتعلق الأمر والنهي، والتقدير الكوني متباين فرعا عن الاستطاعة المقارنة للفعل التي بها يقع، فتلك لا يقدرها الرب، جل وعلا، بمقتضى قدرته البالغة وحكمته الباهرة، إلا لصاحب القلب الصالح الذي غرست فيه البذرة الأولى، فيأتي الفعل سقاء لها، فهو سبب شرعي لا يباشره إلا من قدر الله، عز وجل، له الهداية، كونا، فالتزام الشرع فرع عن نفاذ أمر القدر فضلا، ومخالفته فرع عن نفاذه أيضا ولكن عدلا، فلم يخالف مؤمن أو كافر إرادة القدر النافذ، وإنما امتاز المؤمن عن الكافر بامتثال أمر الشرع الحاكم، فاجتمعت فيه الإرادتان: الشرعية والكونية. بخلاف الكافر الذي تحققت فيه الإرادة الكونية وتخلفت في حقه الإرادة الشرعية.

وتأمل تلك المعاني يحمل الإنسان على طلب الثبات على أمر الشرع ممن بيده مقاليد الأمر الكوني. فإنه مالك الملك: أعيانا وأفعالا، كما أنه مقرر الشرع: أخبارا وأحكاما، والتلازم الوثيق بين الربوبية: قدرا وتشريعا، وما يقابلها من الألوهية: صبرا على القدر وامتثالا لأمر الشرع، أمر قد اطرد في نصوص التنزيل بل هو قطب رحى الملة، مصداق قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، فما خلقنا الله، عز وجل، بربوبية التقدير إلا لنعبده ونوحده بأفعالنا تألها بمقتضى ربوبية التشريع: أخبارا وأحكاما، فيصدق الخبر ويمتثل الحكم أمرا أو نهيا، فمقابل فعله بالربوبية تكون أفعالنا بالعبودية.

فَأُولَئِكَ: تخصيصا لهم فأولئك لا غيرهم، فذلك من التوكيد على اختصاصهم بالحكم التالي، فضلا عما في معناه من علو المكانة بدلالة سياق المدح، فهو مشترك بين الضدين: المدح بعلو المكانة التي تقتضي نداء البعيد علوا، والذم بسفل المكانة التي تقتضي نداء البعيد، أيضا، ولكن سفلا ودنوا، والسياق هو الذي يعين مراد المتكلم فهو أصل في معرفة المعاني بحمل المباني على مرادات قائليها. والجمع في "أولئك" فرع عن معنى: "من" فكما صدرت جملة الحال بضمير المفرد باعتبار مبناها، صدرت جملة الجواب بصيغة الجمع لاسم الإشارة البعيد فرعا عن معناها، وذلك من التنويع اللفظي الذي اطرد في التنزيل،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير