تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهو مئنة من سعة دلالات ألفاظ اللسان العربي، فالمفرد دال باعتبار كونه مئنة من إرادة الجنس فمعنى العموم فيه معتبر، ففي قوله: "وهو مؤمن": دل الضمير على جنس العامل بغض النظر عن عينه بدليل كونه موضوعا للمفرد المذكر الغائب، على القول بالوضع في اللغة، والسياق قد استوفى النوعين: الذكر والأنثى، فالمراد، كما تقدم: جنس العامل لا نوعه أو عينه، إذ الحكم قد علق على وصف العمل، وذلك مما يصدق على أي عامل، وفي قوله: "فأولئك": جاء النص صريحا في إرادة الجمع، إذ اسم الإشارة: "أولئك" مما وضع للدلالة على الجمع نصا لا يحتمل تأويلا ولو بعيدا، ولعل النص بما لا يقبل التأويل، فهو قطعي الدلالة، في معرض الجواب في سياق الوعد مما يحض العاملين على العمل، إذ الوعد عام لا مخصص له، واللفظ قطعي الدلالة على إرادة جماعة العاملين، فلا يخشى أحدهم، أيا كان نوعه أو عينه، اختصاص اللفظ بعامل بعينه، أو جماعة من العاملين امتازوا بغير العمل من جنس أو عرق أو لسان .......... إلخ، فإن مناط الحكم كما تقدم: عمل الصالحات فرعا عن امتثال الأمر الشرعي تألها للرب العلي، تبارك وتعالى، واستحضار معاني الربوبية علما بتوحيد الرب، جل وعلا، بأفعاله، والألوهية عملا بتوحيد الله، عز وجل، بأفعالنا، استحضار تلك المعاني لا يختص بمكلف دون آخر أو أمة دون أخرى، ولذلك كان التوحيد دين الرسل، عليهم السلام، جميعا، مع اختلاف أعيانهم وألسنتهم وأزمنتهم، وكان أتباعهم في كل أمة من الجنسين: رجالا ونساء، فالاختصاص في أمر التوحيد لم يقع قبل ورود الرسالة الخاتمة، وإنما اختصت كل أمة بشرعة حاكمة وقع بها الابتلاء إظهارا لحكمة الله، عز وجل، فكيف يتصور وقوعه بعد ورود الرسالة الخاتمة التي جاءت بتقرير وتفصيل ما جاءت به الرسالات قبلها من أمر التوحيد: المراد لذاته، وجاءت بشريعة واحدة نيط بها الابتلاء لأمم الأرض من لدن بعثة خاتم الرسل صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإلى انقطاع التكليف عن الأفراد بالموت، وعن الجماعات بطلوع الشمس من مغربها، فعموم رسالته: زماني، مكاني، جماعي يستوي فيه الأعيان مصداق قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا). فـ: "أل" في الناس: جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، وقد أكد عمومها بالتوكيد اللفظي: "جميعا" فكان النص باسم الإشارة الدال على الجماعة أولى من هذا الوجه.

يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: فرعا عما قدمت أيديهم، فالعمل سبب في دخول الجنة لا عوض عنها، مصداق قوله تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، والله، عز وجل، خالق الفاعل وفعله: فبإرادته الكونية النافذة كان خلق عين الفاعل، وطاقة الفعل باكتمال آلاته وخلق الإرادة الجازمة في قلب الفاعل، وخلق عين الفعل بصيرورته وجوديا في عالم الشهادة بعد أن كان عدميا في عالم الغيب، فيخرج موافقا للتقدير الأزلي الأول المكتوب في اللوح المحفوظ.

وقرئ: "يُدْخَلون" على البناء للمفعول، ورجحه الرازي، رحمه الله، من جهة معناه، إذ ذلك مشعر بأن لهم مُدْخِلا هو الله، عز وجل، فلم يدخلوها إلا بإذنه، ويرد على ذلك، أن مرد القراءة إلى الرواية لا إلى الدراية، فالقراءة: سنة متبعة، كما أثر عن جمع من السلف، رضي الله عنهم، ونسبة الفعل إليهم لمباشرتهم إياه لا يمنع تقدم إذن الله، عز وجل، عليه.

والله، عز وجل، هو الذي شرع للعبد الأسباب الشرعية، فجاءت النبوات مقررة لأصولها مبينة لفروعها، فله الشكر على استقامة من شاء من عباده على طريق النبوات الهاديات فضلا، وله الحمد على اعوجاج من اعوج عنها عدلا، فلا منة للعبد على ربه إذا استقام، ولا حجة له عليه إذا اعوج، إذ قد قامت الحجة على العباد بإرسال الرسل وتواتر أخبار النبوات، وقيام الدلائل البينات على صدق من ادعاها من الرسل الكرام عليهم السلام، وكذب من ادعاها من دجاجلة الأمم، فذلك من كمال الحجة الرسالية، ببيان المحكمات ودرء الشبهات، وبعد الأنبياء عليهم السلام حمل الورثة من الربانيين مهمة هداية العالمين: هداية دلالة وإرشاد، مصداق قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير