تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا: تذييل احترازي بنفي الظلم مطلقا، فالنقير: شيء تافه حقير لا يؤبه له، فينزل قوله: "وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" منزلة: ولا يظلمون شيئا، فعموم النفي: متحقق على ما اطرد من تسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل: "يظلمون"، وتسلطه على النكرة: "نقيرا"، فاستوفى الفعل والمفعول إمعانا في الاحتراز، وإذا كان الظلم منفيا في سياق الترغيب، فهو منفي، أيضا، في سياق الترهيب السابق، وإنما اكتفي بالاحتراز منه في موضع دون آخر من باب الاكتفاء بقيد واحد إيجازا بتفادي التكرار المعيب على ما اطرد في لسان العرب، وإليه أشار الألوسي، رحمه الله، بقوله: "أي لا ينقصون شيئاً حقيراً من ثواب أعمالهم، فإن النقير علم في القلة والحقارة، وأصله نقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة، ويعلم من نفي تنقيص ثواب المطيع نفي زيادة عقاب العاصي من باب الأولى لأن الأذى في زيادة العقاب أشد منه في تنقيص الثواب، فإذا لم يرض بالأول وهو أرحم الراحمين فكيف يرضى بالثاني وهو السر في تخصيص عدم تنقيص الثواب بالذكر دون ذكر عدم زيادة العقاب مع أن المقام مقام ترغيب في العمل الصالح فلا يناسبه إلا هذا، والجملة تذييل لما قبلها أو عطف عليه". اهـ

وحذف الفاعل تنزيها له عن مجاورة الظلم ولو في سياق لفظي، فنفيه عنه في الحقيقة الخارجية أولى، وامتناع الظلم في حقه، عز وجل، مع قدرته، عليه، هو عين الكمال، بخلاف من قال بأن الظلم هو المحال لذاته، فذلك ليس بشيء أصلا ليحترز من فعله، والظلم مئنة من الفقر، إذ الظالم مفتقر إلى ما بيد المظلوم فيغلبه عليه قهرا ليسد فاقته، وتلك معان يكفي افتراضها، من باب الجدل العقلي المحض لا التصور الممكن فالتصور إنما يكون لواجب أو ممكن ونسبة الظلم لله عز وجل مع قدرته عليه من المحال، تلك معان يكفي افتراضها في الحكم ببطلانها، إذ من أخص أوصاف الربوبية: الغنى الذاتي، في مقابل فقر العبودية الذاتي، فمن نسب إليه، عز وجل، الظلم، كحال أصحاب الجبر الذين أغفلوا معاني الحكمة وغلبوا معاني القدرة فوصفوا الله، عز وجل، بلازم مقالتهم، بالظلم احترازا من وصفه بالعجز!، من نسب إليه الظلم فقد ساوى بين الرب الغني والعبد الفقير، وذلك من الفساد بمكان، إذ فيه تسوية بين متباينين، بل بين أعظم متباينين، وذلك مما يأباه القياس الصحيح الذي ركزه الله، عز وجل، في العقول الصريحات التي نيط بها التكليف بأخبار وأحكام النبوات الصحيحات.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير