وقال الماوردي في النكت والعيون: فإن قلت: ما معنى التبعيض في قوله: من ذنوبكم؟ قلت: ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين، كقوله: {واتقوه وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} [نوح: 3 - 4]، {ياقومنا أَجِيبُواْ دَاعِىَ الله وَءامِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذنوبكم} [الأحقاف: 31] وقال في خطاب المؤمنين: {هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف: 10] إلى أن قال {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الصف: 12] وغير ذلك مما يقفك عليه الاستقراء، وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين، ولئلا يسوي بين الفريقين في الميعاد، وقيل: أريد أنه يغفر لهم ما بينهم وبين الله، بخلاف ما بينهم وبين العباد من المظالم ونحوها.
وقال في موضع آخر: {يَغْفِرْ لكم مِن ذُنوبكم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن «من» صلة زائدة، ومعنى الكلام يغفر ذنوبكم، قاله السدي.
الثاني: أنها ليست صلة، ومعناه يخرجكم من ذنوبكم، قاله زيد بن أسلم.
الثالث: معناه يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها، قاله ابن شجرة.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله: {من ذنوبكم} ذهب بعض النحاة إلى أنها زائدة، وسيبويه يأبى أن تكون زائدة ويراها للتبعيض.
قال القاضي أبو محمد: وهو معنى صحيح، وذلك أن الوعد وقع بغفران الشرك وما معه من المعاصي، وبقي ما يستأنفه أحدهم بعد إيمانه من المعاصي مسكوتاً ليبقى معه في مشيئة الله تعالى، فالغفران إنما نفذ به الوعد في البعض، فصح معنى {من}.
وقال في موضع آخر: وقال قوم: هي لبيان الجنس، وهذا ضعيف لأنه ليس هنا جنس يبين، وقال آخرون هي بمعنى «عن». وهذا غير معروف في أحكام «من»، وقال آخرون: هي لابتداء الغاية وهذا قول يتجه كأنه يقول يبتدئ الغفران من هذه الذنوب العظام التي لهم. وقال آخرون: هي للتبعيض، وهذا عندي أبين الأقوال، وذلك أنه لو قال: «يغفر لكم ذنوبكم» لعم هذا اللفظ ما تقدم من الذنوب وما تأخر عن إيمانهم، والإسلام إنما يجبُّ ما قبله، فهي بعض من ذنوبهم، فالمعنى يغفر لكم ذنوبكم، وقال بعض المفسرين: أراد {يغفر لكم من ذنوبكم} المهم الموبق الكبير لأنه أهم عليهم، وبه ربما كان اليأس عن الله قد وقع لهم وهذا قول مضمنه أن {من} للتبعيض والله تعالى الموفق. وراجع تفسير روح المعاني للآلوسي فقد أطال الجواب، وفيما نقلته كفاية فيما أحسب والله أعلم بكتابه.
ـ[أبو عادل]ــــــــ[28 - 06 - 2009, 08:40 ص]ـ
شكرا لك أخي الحبيب أبا علي ..
تحياتي وتقديري،،
ـ[احمد السنيد]ــــــــ[28 - 06 - 2009, 02:04 م]ـ
قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير: وأما قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} [نوح: 4] فقد بينوا أنه يفيد فائدة زائدة فكأنه قال يغفر لكم بعض ذنوبكم، ومن غفر كل بعض منه فقد غفر كله.
وقال أيضا: المسألة الثالثة: لما أقام الدلالة على وجود الإله بدليل كونه فاطر السموات والأرض وصفه بكمال الرحمة والكرم والجود وبين ذلك من وجهين، الأول: قوله: {يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} قال صاحب «الكشاف»: لو قال قائل ما معنى التبعيض في قوله من ذنوبكم، ثم أجاب فقال: ما جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين، كقوله: {أَنِ اعبدوا الله واتقوه وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} [نوح: 3، 4]. {ياقومنا أَجِيبُواْ دَاعِىَ الله وَءامِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذنوبكم}
وقال أيضا: المسألة الأولى: قال بعضهم كلمة {مِنْ} ههنا زائدة والتقدير: يغفر لكم ذنوبكم، وقيل بل الفائدة فيه أن كلمة {مِنْ} ههنا لابتداء الغاية، فكان المعنى أنه يقع ابتداء الغفران بالذنوب، ثم ينتهي إلى غفران ما صدر عنكم من ترك الأولى والأكمل.
¥