ـ[بكر الجازي]ــــــــ[16 - 07 - 2009, 05:40 م]ـ
السلام عليكم:
1. كنت استمعت منذ زمن إلى محاضرة الدكتور عبد المحسن العسكر وفقه الله، وقد أتى فيها بما يروق ويعجب في إثبات المجاز.
2. ثم قرأت بأخرة نقدك يا أبا فهر لكلام الدكتور، والحق أن الشبهات التي يوردها منكرو المجاز، وإن كانت تبدو قوية لأول النظر، إلا أنها عند التحقيق كالزبد يذهب جفاء.
3. لا مانع من أن يكون أصل تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز مأخوذاً من علوم اليونان، ولا يضير هذا البلاغة ولا ينقص من شأنها، وتقسيمهم للكلام إلى حقيقة ومجازٍ منطبق أيضاً على لسان العرب، وعلى أية لغة، وعلى لسان العامة من الناس في أي بلد.
هل تنكر أن تكون في عاميتك المحكية في بلدك ألفاظ تدل على معناها بأصل الوضع، وتدل على معان أخرى على ضرب من التجوز؟
وكلام الدكتور الذي أوردتّه من أروع ما يقال في هذا الباب:
((الذي يظهر - يا أخوة - أن هذا التقسيم - تقسيم الكلم إلى حقيقة ومجاز - ليس خاصا بالعربية - كما ذهب إلى ذلك جمع من العلماء -، بل هو أمر فطري تقتضيه طبيعة اللغات، وتفرضه قرائح المتكلمين؛ لأنه خروج بالكلام عن الأصل الذي اطرد به الاستعمال، وهذا موجود في كل لغة، ولا تختص به لغة دون لغة، ولا تختص به أمة دون أمة، ومن المعلوم بداهة أن هناك طرائق في التعبير، وأساليب مشتبهة بين البشر، وهذه الأساليب المشتركة إنما هي تتبع الخصائص الموجودة في النوع الإنساني، فطبعي بعد ذلك أن يكون في كل لغة حقيقة ومجاز.
والتعبير بـ (القمر) عن الطلعة البهية، وبـ (السبع) عن الرجل الشجاع، هذا لا تختص به هذه اللغة العربية، بل هو موجود في كل لغة، نعم هذه اللغة العربية تمتاز بوفرة مجازاتها وبوفرة أساليبها حتى اعترف بذلك المستشرقون الذين لهم اطلاع على لغات واسعة))
وردك عليه لا يقدح في أصل المجاز، سواء أسميته تجوزاً أم سميته توسعاً في المعنى أم غير ذلك، فأنت بين أمرين: إما أن تقول إن العرب وضعت هذا الاسم بإزاء هذه المعاني وضعاً واحداً، وإما أن تقول إن وضعه بإزاء معنى معينٍ كان سابقاً على وضعه بإزاء المعنى الآخر. فإن صرتَ إلى الأول كان هذا تحكماً منك لا دليل عليه، كما أنك تدعي أن قولهم بالوضع الأول والوضع الثاني لا دليل عليه، وإن صرتَ إلى الثاني فقد قلت بالمجاز.
ولا يشفع لك أن تقول: نقل إلينا أن العرب استعملته بإزاء هذه المعاني دون أن يتميز لنا الوضع الأول من الوضع الثاني، فالزعم بأن هذا أول وهذا ثانٍ لا دليل عليه،
لا يشفع لك هذا في دعواك، لأن مثبتي المجاز يقولون إن الحقيقة ما يسبق إليه الذهن عند الإطلاق، وهذا حكم يؤخذ بالأغلبية، بل إننا نقول بإمكان التنازع في أن هذا اللفظ حقيقي في هذا المعنى أم مجاز فيه، ولا يقدح هذا في أصل التقسيم.
وليس المقصود ما تسبق إليه أذهاننا نحن، بل المقصود أذهان العرب أهل اللسان.
فإن قلتَ: وما أدراك بما كانت تسبق إليه أذهان العرب؟
قلتُ: إن العالم بلغة العرب، المطلع عليها، يمكن أن يحكم حكماً أغلبياً بأن هذا المعنى أحق بأن يكون أسبق إلى أذهانهم من ذاك المعنى.
فإن أضفت إلى هذا أننا في عامياتنا المحكية، ولهجاتنا المحلية نستعمل كثيراً من الألفاظ التي وضعناها نحن بإزاء معانٍ معينة، في معانٍ أخرى على ضرب من التوسع (الذي نسميه مجازاً وتجوزاً) انكشف لك مكمن الإشكال فيما تورده من شبهات.
4. وأمر أخير لا أحب لك أن تقع فيه، أن تغمز من قناة الأشاعرة بتلك الكلمة التي أوردتَها مما لا يليق.
ـ[أبو فهر]ــــــــ[17 - 07 - 2009, 05:35 ص]ـ
قلتُ: إن العالم بلغة العرب، المطلع عليها، يمكن أن يحكم حكماً أغلبياً بأن هذا المعنى أحق بأن يكون أسبق إلى أذهانهم من ذاك المعنى.
هذه هي المهمة .. والباقي كلام من لم يُحسن فقه حجة مخالفه ...
وردها بين .. فالعلماء بالعربية يملأون الدنيا ... ويُمارسون بعض ما قلتَ .. كصنيع الزمخشري .. ومع ذلك (فأحق) التي لونتها لك بالأحمر ويزعمونها هم = تخرص محض وحدس وتخمين لا دليل عليه .. وقد ضربنا مثالين في مقالات سابقة ..
أولهما: هو مثال الأسد وأثبتنا أن العرب لم تأت به قط تريد الحيوان إلا ومعه القرينة الدالة .. مما يُبطل وجود اللفظ الذي تُعرف دلالته بدون قرينة وإذا رجع الأمر في معرفة الدلالات إلى القرائن عاد إلى كون ادعاء أن هذا هو الوضع الأول = خرص وتخمين لا دليل عليه والأغلبية لا تُنال إلا إذا نال هو لفظاً دل بغيبر قرينة وأنى له هذا ..
والثاني: الحمار واستعماله للرجل البليد وضربناه مثلاً لتخرص بعضهم في تعيين دلالات الألفاظ عند العرب وتحدينا من يأتينا ببيت شعر عربي صحيح العربية فيه الحمار في موضع الرجل البليد .. ومن أضاعه الخرص عن إثبات دلالة يزعمها مجازية فأنى له أن يهديه الخرص إلى الدلالة التي يزعمها حقيقية
ويونانية المجاز تُبطل كونه قاعدة مأخوذة من كلام العرب وتثبت أنه تقسيم أراد أصحابه ونقلته أطر العربية عليه .. وهو تأطير فاسد في العربية وفي اللغات جميعاً .. وفي فقه كلام كل متكلم ...
الأشاعرة ستجدني أغمزهم كثيراً فهم من مراكب الفساد التي جر بها على العلوم شر كثير ولا حيلة لي أن أداهنك في هذا!!
...
¥