تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً فَيُقَالُ لَهُ أَيْ فُلَانُ هَلْ أَصَابَكَ ضُرٌّ قَطُّ أَوْ بَلَاءٌ فَيَقُولُ مَا أَصَابَنِي قَطُّ ضُرٌّ وَلَا بَلَاءٌ)، فإذا كان ذلك حال أنعم أهل الأرض ممن رد أمر الشرع، ولذته في الدنيا من العظم والدوام بمكان، فكيف بمصلحة آنية فسادها عاجل باعتبار وقوعه في دار الابتلاء، وإن تأجل حينا إعمالا لسنة الإملاء؟!، فاستحسان العقل المجرد بمعزل عن الشرع المنزل في تلك المضائق مظنة الزلل، ولذلك كانت النبوات عصمة لمن اتبعها، فصدق خبرها وامتثل حكمها فعلا وتركا، فهي التي تنير العقل وتزكيه، إذ منزلها هو خالق العقل: أداة التكليف في أمر الدين إيجابا، وأمر الدنيا إباحة على حد: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، فكلوا من الطيبيات على وجه الإباحة، فذلك عطاء الربوبية، واعملوا صالحا: إيجابا وندبا فذلك حق الألوهية، وإنما يقع الخلط بتقديم العقل على النقل، فيرد خبر الوحي المعصوم بقياس العقل المظنون، ويقدم الفرع على الأصل، والفرع لا يعود بالنقض على الأصل، كما قرر الأصوليون، فمتى ثبت النقل سلم العقل، فالشأن كل الشأن: هل النقل صحيح في روايته صريح في درايته أو هو غير صحيح لضعف أو انقطاع أو انعدام لإسناده في بعض الأحيان، كما هو الحال عند أهل الكتاب الأول، أو: غير صريح لكونه قد دل على محال ذاتي، ممتنع في نفسه، فذلك مما لا ترد به النبوات، فهي تأتي بمحارات العقول من الممكنات ابتلاء، لا بمحالاتها التي لا يتصورها العقل الصريح بل غايته أن يفترضها افتراضا، فتصبح عمدة الاستدلال: فرض عقلي محال لا شاهد له من كلام النبوات الصحيحات وأقيسة العقول الصريحات!، ولعل وصف الله، عز وجل، بالفقر والبخل، كما وقع من يهود، شاهد على ما نحن فيه، فهو محال ذاتي لما فيه من وصف الرب العلي، تبارك وتعالى، بوصف نقص ردي، يتنزه عنه وعن سائر أوصاف النقصان، ويزيد عليه وصف النصارى للرب، جل وعلا، بجملة من أوصاف النقص، حطت من مرتبة الألوهية إلى مرتبة البشرية، بل إلى ما لا يرضاه عاقل لنفسه فضلا عن أن يرضاه لربه جل وعلا، ومستند ذلك: غلو في فاضل، وفرض عقلي في ذهن فاسد، وشبه متفرقات لا مستند لها، أو هي من متشابه كلام النبوات تعلق به المستدل وجعله عمدة استدلاله دون أن يرده إلى محكمه كما هو صنيع الراسخين في العلم، فالحكم لله، تشريعا، والحكم للبشر امتثالا وتنفيذا، فذلك حد العدل في أحكامهم، فإن تعدوا فيها بسن ما لم يحكم به الله على لسان أنبيائه فقد نازعوا الله، وصف ربوبيته، فنصبوا أنفسهم أربابا من دونه على قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وإن تعدوا فيها بتعطيلها فقد وقعوا في نقيض ما أمروا به، فليس بعد العدل إلا الظلم، وقد وقعت معظم أمم الأرض في زماننا في كلا الأمرين فهما في حكم المتلازمين، فعطلت النبوات وعزلت عن القيادة، ونصبت الدساتير الوضعية: نتاج أقيسة العقول منصبها، فوسد الأمر إلى غير أهله، فكان ما نحن فيه من فساد في الأديان والأبدان، ولذلك كان الأولى: صرف الهمة في استعمال العقل في تقرير النبوات بالدلائل العقلية المؤيدة للدلائل النقلية فينظر في حال مدعي تلك الدعوى العظيمة، من: الكمال أو النقصان، من الصدق أو الكذب، وينظر في حال دعواه: هل جاءت بما يناقض أخبار النبوات من التوحيد أو، أحكامها من وجوب العدل وتحريم الظلم ......... إلخ، أو آدابها من الأمر بمكارم الأخلاق، أو سياساتها: حال الضعف أو القوة، وينظر فيما أتى به من الآيات الكونية: هل هو من قبيل السحر أو هو أمر لا يجريه الله، عز وجل، إلا على يد صادق، فلا يقدر أحد على معارضته أو إبطاله بخلاف أفعال السحرة التي يقدر عليها كل ساحر بل يتمايز أولئك بتسفلهم في دركات الكفر، فمن كان كفره أغلظ كان استمتاعه بقوى الشياطين أعظم، مصداق قوله تعالى: (وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير