تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)، وذلك في حق الأنبياء عليهم السلام من المحال بمكان، وينظر في ظهور أمره: هل هو كظهور الكذابين ابتلاء وفتنة لتابعيهم فمآله إلى افتضاح وزوال، أو هو أمر يزداد ظهورا باطراد، فلا يملك عاقل عرضت عليه حقيقته بمعزل عن التشويه والتحريف إلا التصديق به، فهو من الملائمة للفطر السوية والعقول الصريحة بمكان، فيكتمل لصاحبه عقد النجاة من: شرع صحيح وعقل صريح وفطرة سوية، فمن تلك المسالك يتولد في نفس الناظر يقين جازم بصدق أو كذب مدعي الرسالة، فإذا كان صادقا، فانقاد العقل لخبره فرعا عن بحثه في دلائل نبوته، فقد وفق صاحب العقل إلى استعمال عقله فيما خلق له، فكان العقل هاديا إلى النبوة تابعا لها بعد ثبوت صحتها، فعين نجاة العقل غير المعصوم في اتباع الوحي المعصوم.

والحكم ينصرف أول ما ينصرف إلى الحكم الشرعي، ولا يمنع ذلك من وجوب تحري العدل في كل الأحكام:

العقلية: فلا يسوي الإنسان بين مختلفين ولا يفرق بين متماثلين، وهذا مما أشار إليه التنزيل في مواضع منها: قوله تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)، فسياسة الكيل بمكيالين لا تكون فقط في الحقوق المدركة بالحس، بل تكون، أيضا، في المعاني المدركة بالعقل، فيقع التناقض في كلام المتكلم على وجه يدرك معه كل ذي نظر أنه صاحب هوى يعقد في مواضع ويحل في أخرى انتصارا لمقالته فليس له خط بياني عقلي ثابت لاضطراب منهجه، ولعل الفلاسفة والمتكلمين من أعظم الناس اضطرابا في هذا الباب، فرعا عن كون قياسهم الباري، عز وجل، على خلقه، أفسد قياس.

والعادية: فلا يهمل الإنسان الأحكام التجريبية التي بنت عليها أوروبا حضارتها المعاصرة، وذلك عند التحقيق، من ثمار جهود علماء الإسلام من المحققين، من أمثال ابن تيمية رحمه الله، الذين قوضوا أركان الفلسفة اليونانية الاستنباطية، فهي نظرية محضة، بخلاف المنهج التجريبي، أو الاستقرائي، فهو الذي يولد نتائج صحيحة في: المدركات العقلية لا سيما في المسائل التي تعددت فيها الأدلة والأقوال، وهذا مما قرره أهل العلم قبل أن تعرف أوروبا معايير النقد الحديث للأخبار فهو عند التحقيق: شعبة من علم الرواية عند المسلمين الذي قام على نظرية استقراء طرق الأخبار، لمعرفة صحيحها من سقيمها، وفي ذلك يقول ابن المديني، رحمه الله، وهو من متقدمي أهل هذا الشأن: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه" وقل مثل ذلك في الاستدلال، فتعدد الأقوال فرع عن تعدد الأنظار فلكل وجهة هو موليها، فلزم معرفة مأخذ كل قائل ولا يكون ذلك إلا باستقراء أقوالهم، أو في المدركات الحسية في عالم الشهادة، وإن تفاوتت صحة الأحكام فرعا عن تفاوت الاستقراء الذي أنتجها، فالاستقراء الناقص يولد حكما ناقصا، والاستقراء الكامل يولد حكما كاملا. ولذلك كان المسلمون زمن نهضتهم التي بها نهض العالم من سباته أئمة العلوم النظرية والعلوم التجريبية، فرعا عن صحة مناهجهم في البحث والاستدلال، وهي مناهج ترجع في أصلها إلى الوحي الرحماني، فقول تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ): دعوة للنظر واستقراء آيات الرحمن الكونية المنظورة، وقوله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا): دعوة لاستقراء آياته، جل وعلا، الشرعية المسطورة، وقوله: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ): ذم لمن قصر في الاستقراء فاكتفى ببعض دون بعض لهوى في نفسه أو قصور في علمه أو ضعف في عقله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير