تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالسبر والتقسيم من طرق الحكم الصحيحة سواء أكان ذلك في الشرعيات ومحله القياس أو العاديات، فتحصر أوصاف المحكوم عليه، وتسبر لتحديد الوصف المؤثر الذي يتعلق به الحكم وجودا أو عدما ليقاس عليه غيره، كالمريض يجري فحوصات عامة فذلك تقسيم بحصر مظان العلة ثم يكر عليها بالفحص ليحدد سبب العلة.

ثم نص على الذبح خصوصا بعد عموم الأمر بالعدل، إذ الذبح وإراقة الدماء مظنة التعدي، فتخصيصه بالذكر تنويه بشأنه، وفي حديث شداد بن أوس، رضي الله عنه، مرفوعا: (إنَّ الله كَتَبَ الإحسّانَ على كُلِّ شيءٍ، فإذَا قَتَلْتُم فَأَحْسِنُوا القِتْلَة، وإذا ذَبَحْتُم فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وليُحِدَّ أحدُكُمْ شَفْرَتَهُ، ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)، فذكر صور إزهاق الروح على سبيل التقسيم الحاصر فإما: قتل وإما ذبح، وقد جاء باسم الهيئة منهما لتعلق الإحسان بها، وأحكام القصاص ووجوب العدل والإحسان في استيفائه مبسوطة في كتب الفقه، وقد بين إجمال الإحسان في الذبح بقوله: "وليُحِدَّ أحدُكُمْ شَفْرَتَهُ، ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ": فحد الشفرة سبب، وإراحة الذبيحة فرع عنه فبه يجهز الذابح على ذبيحته سريعا فلا يؤلمها بشفرة كالة.

فإن الله محسن: جواب الشرط وقد سيق مساق الإلهاب والتهييج، إذ فيه من الوعد ما يحمل المخاطب على الامتثال، فالله، عز وجل، متصف بالإحسان، وهو من صفات الجمال التي يسوغ للعبد الاتصاف بها، ولكل إحسانه فرعا عن ذاته، كما تقرر في باب الأسماء والصفات، ولا إشكال في وقوع الشركة في الكليات المعنوية، كمعنى الإحسان العام، وهو مما اتفق العقلاء على حسنه، فكيف وقد جاء الشرع الصحيح بتقريره، إذ لا تعارض بين الشرائع الصحيحة والعقول الصريحة. فهو، عز وجل، محسن إلى خلقه، بما يصلهم من نعمه الشرعية والكونية، وهو محسن إليهم ابتداء إذ أوجدهم من العدم، وأعدهم لقبول آثار ما يسر لهم من أسباب بقاء وصلاح القلوب والأبدان، وهو يحب المحسنين: فتعلق الحكم بالوصف الذي اشتقت منه الصفة المشبهة: وصف الإحسان، والجناس بين: "محسن" و "المحسنين" يزيد المعنى بيانا فضلا عن المشاكلة بين اللفظين دون تأويل بزعم أن أحدهما غير دال على معناه فيتأول إحسان الله، عز وجل، بإرادة الإنعام أو ما شابه ذلك، بل هو إحسان حقيقي، كما أن إحسان العبد حقيقي، ولكل كنه، فكنه وصف المخلوق مما يتصوره العقل فرعا عن إدراكه بالحس الظاهر في عالم الشهادة، بخلاف كنه وصف الخالق، عز وجل، فهو من الغيب الذي لااطلاع لأحد عليه في دار الفناء، ولا إدراك كلي له في دار البقاء، فتراه الأبصار في الجنان تنعما دون أن تحيط به علما، تعالى أن يحيط بعظمته، عز وجل، وصف أو حس في الدنيا والآخرة.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير