تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"فَحَيْثُ قَوِيَ الْإِيمَانُ وَالتَّوْحِيدُ وَنُورُ الْفُرْقَانِ وَالْإِيمَانِ وَظَهَرَتْ آثَارُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ ضَعُفَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ وَحَيْثُ ظَهَرَ الْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ قَوِيَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ". اهـ

"رسالة التوسل"، ص203.

وكلما اقتربت من أرض النبوات: أرض الشرق المسلم قل الفساد والخوف وزاد الصلاح والأمان، ون كان ذلك أمرا نسبيا، فليس مطردا في كل مصر من أمصار الشرق، فمنها أمصار قد أظهرت من العداوة للنبوات ما لم تظهره أمم الغرب النصراني التي انتحلت العلمانية: عدوة الأديان عموما، والإسلام خصوصا، انتحلتها دينا، فصارت النصرانية رسما ظاهرا لا أثر له في الباطن، أو عقدا فرديا، لا أثر له في حياة الجماعة الأوروبية التي تقدس الاتحاد الأوروبي ومنظومته الاجتماعية والأخلاقية أعظم من تقديس المسيح والبتول عليهما السلام، إن سلم بأن الغلو فيهما تقديس، فقد نعتهما النصارى بما يقدح في مقامهما السامي لمن تأمل وتدبر.

والنبوة من جهة أخرى: مظنة التكليف على جهة الابتلاء. فيبتلى العباد بأخبارها وأحكامها إظهار لعلم الرب الأزلي المحيط فيهم، على حد قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ).

هُدَى اللَّهِ: فإضافة النبوات إلى الله، عز وجل، مئنة من عظم شأنها، فهي من إضافة الصفة إلى الموصوف باعتبار كونها كلمات الله، عز وجل، الشرعيات، فكلامه من صفات كماله، وعظم تلك الكلمات: أخبارا وأحكاما، فهي أصدق الأخبار وأعدل الأحكام، عظمها فرع عن عظم الموصوف بها تبارك وتعالى. فلا أنفذ من كلماته الكونيات في خلقه تدبيرا، ولا أحكم من كلماته نبواته فيهم تشريعا.

وفي السياق حصر بتعريف الجزأين: مئنة من انحصار طرق الهداية في النبوات، فهي الطريق الوحيد إلى صلاح الدارين، فنصر عاجل وإن ابتلي أتباعها ابتداء، تمحيصا واصطفاء لمن صبر وما أقله لا سيما في أزمنة ظهور الباطل وخفاء الحق وتواري أهله، وفوز عاجل، على حد قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).

وآيات النبوة: هادية، فالإخبار عنها بالمصدر: "هدى": مئنة من تحقق الهداية الكاملة بتصديقها وامتثالها، على حد قولك: محمد عدل: مئنة من كمال عدله حتى صح الإخبار بالوصف عن ذات الموصوف، وفي التنزيل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ).

يقول أبو السعود رحمه الله:

" {والهدى} أي والآياتِ الهاديةِ إلى كُنه أمرِه ووجوب اتباعِه والإيمانِ به، عَبَّر عنها بالمصدر مبالغةً"

وهداية النبوات: هداية دلالة وإرشاد فليست هداية التوفيق والإلهام لحملة النبوات من المبلغين عن رب البريات، أو ورثة علومهم من العلماء الربانيين، فليس ذلك إلا لمصرف القلوب تبارك وتعالى.

ولذلك ذيل هدى الإرشاد بقوله:

يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ: هداية الإلهام، فيهدي من يشاء فضلا كما دل على ذلك المنطوق، ويضل من يشاء عدلا، كما دل على ذلك المفهوم، فتعليق الأمر بالمشيئة الربانية، وهي لا تكون في نصوص الوحيين إلا: كونية نافذة، تعليقه بها: مئنة من تباين أحوال الكائنات من: هداية وضلال، وحياة وموت، وصحة ومرض، وغنى وفقر، إذ لا يظهر كمال معاني الربوبية إلا بخلق الشيء وضده، فلما نص على الهدى متعلقا بمشيئته الكونية النافذة منطوقا على جهة الفضل، علم أن الضلال كائن بذات المشيئة على جهة العدل، كما دل على ذلك المفهوم المسكوت عنه، وهذا أصل في فن الإيجاز القرآني إذ السكوت عما دلت عليه قرينة السياق، وهي أصل في معرفة مراد المتكلم، مئنة من بلاغة الكلام. على حد قوله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ)، فسكت عن الاحتمال الأخير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير