ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 11 - 2009, 01:10 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ:
فهو بمنزلة التكرار لما تقدم في قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فعظم الجرم يستلزم عظم الإنكار.
وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ:
تبرئة لساحة المسيح عليه السلام، فأسند القول إليه، وفي نسبتهم إلى إسرائيل عليه السلام نوع تلطف معهم يقتضيه مقام الدعوة، فنسبهم إلى أب يتشرفون بالانتساب إليه، وقد يقال بأن في نسبتهم إليه نوع تعريض بهم، بالنظر إلى ترجمة: "إسرائيل"، وهي: "عبد الله"، فضلا عما كان عليه إسرائيل، عليه السلام، من كمال العبودية والانقياد فهو عبد الله مبنى ومعنى، وبالنظر إلى وصيته الأسباطَ: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)، فكيف يخالف أحفاده وصيته فلا يسيرون على طريقته المثلى في تمام التأله لله عز وجل؟!. وقد يقال بأن الخطاب لا يخلو، أيضا، من نوع تقريع، إذا نظرنا إلى دلالة "يا" على نداء البعيد، ففيه إشارة إلى غفلتهم عن التوحيد آكد حقوق الرب المجيد على العبيد.
اعبدوا الله: أمر بكمال التأله لله، عز وجل، بأفعال العباد.
ربي وربكم: عطف عام على خاص، فربوبية المسيح عليه السلام: ربوبية خاصة مقتضاها تمام العناية به، فهو الرسول الذي ختمت به نبوة بني إسرائيل، وهو الذي بشر بالنبي الخاتم من بني إسماعيل، وربوبيتهم: ربوبية عامة: ربوبية الخالق لخلقه بنعمه المتواترة، فإذا كان هذا حاله من كمال التفرد بأفعال الإنشاء والإنعام، فإنه يستلزم كمال إفراده بأفعال العباد، وذلك مقتضى دين الإسلام العام الذي بعثت به الرسل، ودين الإسلام الخاص الذي بعث به خاتمهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقد يقال بأن النص على ربوبية الله، عز وجل، عبدهَ ورسولهَ: المسيح عليه السلام مراد لذاته في هذا المقام إبطالا لدعوى الغلاة، فهو كغيره من العباد: مربوب لا غنى له عن الأسباب، فكيف يكون ربا من افتقر إلى غيره؟!، فقوله كما يقول أهل الأصول: نص في محل النزاع، والنص: قطعي لا يحتمل إلا معنى واحد، فإما رب، وإما عبد، وقد حسم المسيح عليه السلام النزاع في هذا الموضع، وفي مواضع أخرى من قبيل قوله: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا).
إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ:
جواب لسؤال مقدر، فكأن الأمر بإفراد الله، عز وجل، بالعبادة قد صار عجبا، فاستلزم السؤال عنه بـ: "لم؟! "، فجاء الجواب مصدرا بـ: "إن" المؤكدة إمعانا في زجر المخاطب بالتوكيد على الوعيد، فضلا عن دلالة ضمير الشأن: الهاء في "إنه" على ذات المعنى، فجملة: "اعبدوا": إنشائية، وجملة: "إنه من يشرك ................. ": خبرية، فحسن الفصل بينهما، بتقدير سؤال يجعل الأولى: معلولا، والثانية: علة، فبينهما: "شبه كمال الاتصال" مع اختلافهما في المبنى، فالثانية علة الأولى، كما تقدم، واتصال العلة بمعلولها اتصال عقلي وثيق.
¥