تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو طارق]ــــــــ[08 - 11 - 2009, 07:03 م]ـ

بارك الله لك فيما تقدم

ولا حُرمت جزيل الأجر

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 11 - 2009, 02:37 م]ـ

جزاك الله خيرا أبا طارق وبارك فيك وأجزل لك المثوبة.

ومن قوله تعالى: (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ):

فـ: "أن" المدغمة في: "لا" النافية هي المخففة من "أنَّ" في قراءة من رفع الفعل بعدها، فنزل الحسبان منزلة العلم اليقيني الذي ترد: "أن" بعده مخففة، كما قرر ذلك النحاة على حد قوله تعالى: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى)، فذلك آكد في بيان قبح فعلهم، كما قرر ذلك أبو السعود رحمه الله، إذ بلغ فسادهم العلمي أن تصوروا على حد اليقين الجازم أن ما هم عليه من فساد في القول والعمل ليس ذريعة إلى وقوع الفتنة بالعذاب، على ما اطرد من السنة الكونية في حق العصاة، فلما أمنوا مكر الرب، جل وعلا، وذلك من الفساد العلمي التصوري بمكان، فسد حكمهم العملي، على ما تقرر مرارا من التلازم الوثيق بين فساد المعلوم وفساد المعمول، فالثاني فرع عن الأول، كما المعلول فرع عن علته، فكان من صور فسادهم العملي: أن عموا عن رؤية الحق وصموا عن سماعه، وإن صحت آلاتهم التكليفية، فاستطاعتهم الشرعية صحيحة، وإنما حجب الله، عز وجل، عنهم الاستطاعة الكونية التي يكون بها الفعل جزاء وفاقا، على ما تقدم من فساد مقالتهم، فاقتضت الحكمة أن يضلوا فليسوا أهلا للهداية، فلو وضعت فيهم لكان ذلك غير جار على سنن الحكمة، واقتضت القدرة حجبهم عن الطاعة، فلن يقدر مخلوق على طاعة أو معصية إلا إذا أقدره الله، عز وجل، على ذلك، بمقتضى كلماته الكونية النافذة، فيكون الفعل في حق الطائع جاريا على حد الفضل والامتنان بالطاعة، ويكون الفعل في حق العاصي جاريا على حد العدل والحكمة، فليس أهلا للطاعة كما تقدم، فعموا وصموا باعتبار فعلهم التكليفي الذي يؤاخذون عليه، و: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)، بمقتضى فعل الرب، جل وعلا، التكويني النافذ، فالهمزة قد عدت الفعل، بعد لزومه، فتعدى بها إلى مفعوله، فذلك من أوصافه، عز وجل، الفعلية المتعلقة بمشيئته النافذة، فللفعل جهتان: جهة خلق من الرب، جل وعلا، وجهة فعل من العبد، على حد قوله تعالى: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى): فما رميت باعتبار المنتهى، وإن رميت باعتبار المبتدى، فرمي الفعل منك كائن، ومن الرب، جل وعلا، مخلوق، ورمي الإصابة منه، جل وعلا، فليس للعبد إلا مباشرة السبب المخلوق ديانة على حد ما اطرد من السنة الكونية بترتب المسبَّبات على أسبابها، فالرمي مظنة الإصابة، ولا يكون رمي ابتداء ولا إصابة انتهاء إلا إذا شاء الرب، جل وعلا، ذلك.

فعموا وصموا في الفتنة الأولى، على خلاف في تحديدها، ثم تاب الله، عز وجل، عليهم فعموا وصموا ثانية بعد رفع البلاء على ما اطرد من حال ابن آدم، فهو سريع النسيان للبلاء إذا رفع، على حد قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ).

و: "كثير منهم": بدل قيد به عموم الفاعل، في: "عَمُوا وَصَمُّوا" فهو من باب الخاص القطعي الذي يقضي على العام الظني في معرض الاحتراس، فليس القوم على حد سواء بل: (مِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)، وذلك من عدل الرب، جل وعلا، وإنصافه، لصلحاء يهود، وإن كانت أمتهم باعتبار المجموع لا الجميع من أخبث الأمم.

ثم جاء التذييل: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ): فالبصر علمي بقرينة تعلقه بالأعمال، فليس جاريا على حد التأويل إذ القرينة السياقية شاهدة بإرادته، وهي جزء من لفظه، فينزل منزلة المركب الذي لا يظهر معناه على وجه التحديد إلا بمطالعة كل أجزائه، فضلا عن جواز إرادة كلا الوصفين: وصف البصر، ووصف العلم، فكلاهما من أوصاف الرب، جل وعلا، الذاتية المعنوية، بل ذلك مما يتلاءم مع ما اطرد في الكتاب العزيز من من الثناء عليه، جل وعلا، بأوصاف الجمال والجلال، ففيه مزيد ثناء باجتماع وصفي البصر والعلم، وهما من أوصاف الجمال، ولكن السياق، أيضا، قد رجح إرادة وصف الجلال بهما، إذ قد ورد البصر مقيدا بالعمل في معرض التذييل لسياق توبيخ للعصاة، وذلك مما يرجح معنى التحذير والتهديد، وذلك متعلق وصف جلاله، عز وجل، لا وصف جماله الذي تتعلق به معاني الوعد، فضلا عن استحضار عملهم بصيغة المضارعة إمعانا في الإنكار عليهم بتذكير الخلف بقبح جرم السلف، إذ قد ساروا على طريقتهم في العتو والتمرد على أمر الرب، جل وعلا، الحاكم.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير