لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ، والدليل الثاني على الهداية في الفعل عندما غير الله تعالى القبلة ذكر حال المؤمنين وكيف حدث لهم تردد وأن الله هداهم إلى إتباع الرسول هداية إعانة بشرح الصدر كي لا يضيع أيمانهم فقال تعالى (إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (البقرة:143) أي أنه شرح صدورهم لتقبل هذا التغيير مع أن المفسرين فسروا إيمانكم صلاتكم والله اعلم.
والصنف الثاني طبق الأفعال أسلم و لم يؤمن وهذا الذي يجعل صدره ضيقاً حرجاً و بين السبب فقال كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون كيف يضلهم وهم لا يؤمنون؟ وهذا الصنف هم المنافقون ويكفي هذا الدليل (َمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة: 54) وفي مقدمة الآية قال عنهم كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ مع أنهم مسلمين في الفعل يأتون الصلاة و ينفقون المال.
والدليل الثاني على الإضلال في الفعل (وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة: 46) فثبط المنافقين قدراً وهذه الآية عن المنافقين أي انه جعل صدورهم ضيقة حرجة فثقل عليهم الفعل
مثال: قول الله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (الإسراء: 30) فإن في كلمتي (يبسط و يقدر) الضمير عائد على الفاعل الرزاق ومن (يشاء) الضمير عائد على العبد الفاعل لأن المشيئة فعل ممتد من السبب والسبب طلب الرزق بالأسباب والآية منتهية بقوله تعالى (خَبِيراً بَصِيراً) وهى مرتبطة بـ (يبسط ويقدر) , وعطاء الرزق محصل بـ اتخاذ الأسباب والقلة و الكثرة مثبت بـ (خبير بصير) (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) (الحجر: 21)
مثال: قول الله تعالى (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر: 8) وفي هذه الآية يضل ويهدي الضمير عائد على العبد أي أن الله بين للعباد طريق الحق وطريق الضلال وعمل العبد في طريق الحق أو الضلال مشيئة من العبد ممتدة من السبب وهو أنه تعالى بيّن له الطريقين والعبد اختار بنفسه و الاختيار مشيئة في الفعل من العبد ونهاية الآية (عليم بما يصنعون) وليس فيه القدرة الدالة على الفعل يضل.
ملخص البحث في المشيئة والإرادة:-
إن الإرادة تفهم من منطلق السبب و المشيئة تفهم من منطلق الفعل الواقع بين القدرة و الاستطاعة، ومن خلال هذا نعرف رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده المؤمنين في قوله تعالى (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً) (النساء: 27) بناء على أن الله سبحانه وتعالى جعل لنا كفارات لذنوبنا وهي أسباب ومباشرة فعلها يؤدى إلى مغفرة الذنب وكل مكفر لذنبه فعل بمشيئته الممتد من السبب وهو وجود مكفرات الذنوب.
و أختم بهذا الحديث الصحيح الإلهي: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غيره فلا يلومنّ إلا نفسه).
كيف نفرق بين السبب عند العبد المخلوق والرب الخالق:-
من صفات العبد النقص وكل سبب في حق العبد يدل على وجود النقص في ذاته أي أنه بدون تحقيق السبب يطرأ عليه النقص فغنى العبد يكون بوجود الأغراض (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر: 15)
ومن صفات الله الكمال وكل سبب في حق الله هو محدث بسنن الله في الكون لأن من صفات الله الكمال أي أنه لا يطرأ عليه النقص و من صفات الله الغنى وغنى الله أي بذاته ليس له حاجات أو أغراض (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)) لقمان: 12 (و الجزاء في الآخرة يقع على الطاعة والمعصية وليس على وجود الضرر والنفع لذات الله سبحانه وتعالى إنما على الامتثال للأوامر أو عدمه فمن صفات الله الغضب والرضاء (كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) (طه: 81) (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذلك ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (النساء: 114)
والله ورسوله أعلم و أختم بقول الله تعالى
(هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) (31)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالله الزنتاني
Ayyoobabdulla***********
¥