تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعندما رحم الله المؤمنيّن في قصة تبديل الغلام في سورة الكهف لم يغير الغلام مشيئة من طالح إلى صالح بناء على وجود السبب وهو (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً) (الكهف: 80) مع وجود القدرة والاستطاعة المطلقة للهتعالى، وذلك بناء على قاعدة الاختيار و بدله كإرادة جديدة فكان الغلام الجديد صالح من نفس الخلقة كما حال الأنبياء والرسل فلا يوجد رسول أو نبي كان عابد أصنام وفاجر ثم صلح وصار رسولاً أو نبياً والله يخلق ما يشاء ويهبٌ لمن يشاء ومشيئة الله لا تخالف إرادته ومن سنن الله لا يغير عبداً مختار من كافر إلى مؤمن ولا يغير أفعالنا مشيئة منه ولكن يهدى بالآيات البينات والآيات المبينات من يشاء بنفسه الهداية ويضل من يشاء بنفسه الضلال من العباد (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ).

والحالة الثانية الهداية من نفس النشأة الأولى التي خص الله سبحانه وتعالى فيه بعض من عباده مثل الأنبياء و الرسل وبعض العباد مثل الغلام الذي ذكره في قصة العبد الصالح وسيدنا موسى وكثير من العباد لا نعلمهم الله يعلمهم (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 8).

مثال: قول الله تعالى (وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ) (الزمر: 37) وفي هذه الآية أشار فيه إلى رسول الله بقوله ومن يهد الله فما له من مضل والضمير عائد على رسوله و بناء على السبب وهو تخويف الرسول بآلهتهم التي زعموا أنها ستؤذيه كي يضل (لَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ) (الزمر: 36) فقال من يهدِ الله فما له من مضل.

والآية الثانية (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية: 23) وفى هذه الآية أشار فيه إلى المعاندين والذين اتخذوا آلهة من دون الله و لم يتبعوا الهداية صدوداً وأضلهم الله على علم ومن يضلل الله فلا هادى له من بعده.

(فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (النساء: 88)

وقول الله تعالى (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد) (البقرة: 253) هنا تكلم الله عن الفعل اقتتلوا الحادث بالمشيئة الممتدة من السبب وهو الاختلاف، ثم قال والله يفعل ما يريد من منطلق السبب وهو (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة: 251) والدفع إرادة وهي سنة من سنن الله ممتد منها التنازع والاقتتال كـ مشيئة.

وقال تعالى (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كذلكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام: 125) هنا ذكر الهداية و الإضلال من منطلق المشيئة في الأفعال هداية الإعانة، و الهداية والضلال من منطلق السبب بقوله فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ والإسلام انقياد للأفعال، والإيمان تصديق بالقلب من الأسباب، أي هناك صنفان من العباد الصنف الأول أمن بكتاب الله وثقل عليه التنفيذ هذا الذي قال عنه يشرح صدره للإسلام، ويكفي هذا الدليل على الصنف الأول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) (التوبة: 38) وفي مقدمة الآية أثبت لهم الإيمان بقوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وأنكر عليهم التثاقل في الأفعال مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير