تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لعل أبرز ما قيل ثلاثة أوجه: العطف على المحل، والعطف على الموضع، والتوهم.

فأما العطف على المحل فالمعطوف عليه (أصدق) منصوب وليس محله الجزم، وإنما يكون الجزم جائزا حينما تزول الفاء فيمتنع إضمار أن. وما دامت الفاء ثابتة فهل يصح القول إن الفعل منصوب لفظا في محل جزم؟ الإجابة لا، وبذلك يكون العطف على المحل ضعيفا.

وأما العطف على الموضع فهو أجود من العطف على المحل بل ربما يكون راجحا، ولكن سيبويه رده بتعليل جيد كما نقل أخونا مغربي، وإن كان ذلك التعليل مما قد لا ينطبق هنا.

وأما التوهم، فهو ما استبدله سيبويه بالعطف على الموضع وارتضاه واستشهد له بنظائر مقاربة من كلام العرب، ولكن القول بالتوهم ـ إضافة إلى قبح اللجوء إليه في إعراب القرآن ـ يلزم عنه أمور منها:

1ـ أن القائل (تعالى الله علوا كبيرا) يمكن أن تطرأ عليه صفة التوهم، وهذا مردود لأن التوهم إنما هو من صفات البشر.

2ـ يلزم عن القول بالتوهم أن جزم (أكن) لم يكن لغرض بلاغي، لأن من يخرق القاعدة لغرض بلاغي إنما يخرقها قاصدا، وعليه فإن تحقق القصد انتفى التوهم.

كما أن ما خُرّج من شعر العرب على التوهم لم يكن فيه تغيير للمعنى في حالتي التوهم وعدمه.

أما في الآية الكريمة فلكل من نصب (أصدق)، وجزم (أكنْ) غرض ومعنى دقيق مراد.

فالله سبحانه وتعالى يصور لنا حال الممسك حينما يأتيه الموت ويعلم أن أمواله لن تنفعه فيتمنى أن يؤخره الله قليلا .. لماذا؟ ليعمل أعمالا تنجيه من العذاب وتدخله الجنه. ماهي؟ هي كل عمل يجعله من الصالحين ومن ذلك الصدقة.

إذاً غرضه الأساس من التأخير أن يكون من الصالحين، أي (لولا أخرتني أكن من الصالحين) بجزم أكن جوابا للطلب (الشرط المقدر) ولكن صدر الآية فيه أمر بالإنفاق، والإنفاق لن يتم إلا إذا تم التأخير، لذلك اقتضى النسق اللفظي أن يتقدم الفعل (أصدق) على جواب الطلب الأساس وتثبت معه الفاء للدلالة على السببية فجاء منصوبا. ولما كانت الصدقة وحدها لا تكفي وإنما الغرض الأساس من طلب التأخير هو أن يكون من الصالحين ـ لذلك ـ جزم الفعل (أكن) باعتباره جوابا للطلب من حيث المعنى.

فكأن المحتضر أراد تقديم (أكن من الصالحين) بالجزم جوابا للطلب، ولكنه قدم (فأصدق) تلبية لأمر الله بالإنفاق ثم جاء بـ (أكن) مجزوما كما لو أنه متقدم؛ ليدل الجزم على أن الصلاح العام هو جواب الطلب المسيطر على ذهن المحتضر وهو مقدم على الصدقة من حيث الأهمية متأخر في اللفظ.

ولا يتحقق الجمع بين السببية والجواب وتقديم التقرب بالصدقة إلا بهذا الترتيب وهذا الضبط، فلو أسقطت الفاء لجزم (أصدق) وأصبحت الصدقة والصلاح في رتبة واحدة. ولو نصب (أكونَ) لتساويا أيضا، ولو قدم (أكن) لما تحقق الإسراع بإجابة أمر الله بالإنفاق لا سيما أن موقف المحتضر موقف متقرب خاضع، والصدقة من خير ما يتقرب به إلى الله رجاء إجابة الدعاء.

وكأنما أفادت الجملة معنيي جملتين معا هما:

لولا أخرتني فأصدقَ، إن تؤخرني أكن من الصالحين.

إذاً .. العطف على المحل، والعطف على التوهم فيهما نظر وأراهما بعيدين للأسباب التي ذكرتها.

أما العطف على الموضع فإن أريد به موضع الفاء مع الفعل (فأصدق) وليس الفعل وحده، فإن ذلك جيد ويتفق مع المعنى المراد لأنه لو قدم (أكن) مجزوما جوابا للطلب لكان موضعه هو موضع الفاء مع الفعل (فأصدق).

هذا والله أعلم.

ـ[ابنة الإسلام]ــــــــ[07 - 02 - 2007, 11:06 ص]ـ

جزى الله السائل ومجيبيه خيرا.

فقد نفعونا وأمتعونا، نفع الله بهم دوما وبارك فيهم.

ـ[أبو لين]ــــــــ[07 - 02 - 2007, 02:00 م]ـ

أخي الحامدي ما أجمل َ نقاشك! وتحياتي للإخوة المشاركين وهذه محاولة متواضعة مني: (فأصدق وأكن من الصالحين)

الفاء: حرف سببية.

أصدق: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على أخره والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا

وأكن: الواو حرف عطف. أكن: فعل مضارع ناسخ مجزوم وعلامة جزمه السكون لأنه معطوف على محل (فأصدق) باعتبار المعنى والتقدير (إن أخرتني أصدّقْ وأكنْ) واسم (أكن) ضمير مستتر تقديره أنا.

أو

(أكن) فعل مضارع ناقص مجزوم جواب شرط مقدّر معطوف على جملة الدعاء.

هذا والله أعلم.

ـ[الحامدي]ــــــــ[08 - 02 - 2007, 07:41 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير