جزى الله الإخوة خيرا وخاصة مغربيا، والمعشي.
وأشكر للمعشي حسن تحليله الدلالي والبلاغي للآية الكريمة.
أعرف أن الإخوة أجابوا عن السؤال، ولكنني سأضيف زيادات ونقولا في تأويلات الآية من أئمة النحو، مع التعليق عليها.
للآية تأويلان:
التأويل الأول: ما ذهب إليه الخليل وسيبويه أن "أكن" مجزوم على التوهم إذ التقدير: "إن تؤخرني أصدق وأكن من الصالحين".
قال سيبويه في الكتاب: ((سألت الخليل عن قوله تعالى: "فأصدق وأكن من الصالحين"، فقال: هذا كقول زهير بن أبي سلمى:
بدا ليَ أني لست مدركَ ما مضى ........... ولا سابقٍ شيئا إذا كان جائيَا
فإنما جروا هذا لأن الأول قد يدخله الباء، فجاؤوا بالثاني، وكأنهم قد أثبتوا في الأول الباء؛ فكذلك هذا لما كان الفعل الذي قبله قد يكون جزما ولا فاء فيه تكلموا بالثاني وكأنهم جزموا قبله؛ فعلى هذا توهموا هذا)) كتاب سيبويه 3/ 100ـ101، تحقيق عبد السلام هارون.
وسيأتي الاعتراض على هذا القول فيما بعد.
التأويل الثاني: ماذهب إليه جمهور غفير من النحاة من أن "أكن" معطوفة على الفاء وما اتصل بها قبل الدخول على الفعل "أصدق"، لأن موضعها الجزم لوقوعها في جواب التمني. والتقدير على هذا الوجه "لولا أخرتني أصدق وأكن من الصالحين".
قال المبرد في (المقتضب): ((وعلى هذا قراءة من قرأ "فأصدق وأكن من الصالحين"، حمله على موضع الفاء، ولم يحمله على ما حمله عليه)).
وقال الفراء في (معاني القرآن): ((يقال: كيف جزم "وأكن" وهي مردودة على فعل منصوب؟، فالجواب في ذلك أن الفاء لو لم تكن في "أصدق" كانت مجزومة، فلما رددت "أكن" رددت على تأويل الفعل لو لم تدخل عليه الفاء)).
وكذلك أبو إسحاق الزجاج ذهب إلى هذا الرأي، وجعل تقدير الآية "إن أمهلتني أصدق وأكن"، فهو بالعطف على الموضع.
وتبعهم ابن خالويه، واستشهد عليه في حجته بقول الشاعر الهذلي:
فأبْلونِي بليتكم لعلي ............ أصالحُكم وأستدرجْ نَوَيَّا
وممن أخذ بهذا التأويل كذلك: أبو علي الفارسي، ومكي بن أبي طالب، والزمخشري، وابن الأنباري، والعكبري، وابن يعيش، وابن عطية، والطبري، وغيرهم.
وبالتأمل في التأويلين يتبين أن الخلاف بينهما خلاف لفظي كما قال الشهاب الخفاجي: ((الظاهر أن الخلاف فيه لفظي، فمراد أبي علي العطف على الموضع المتوهم أو المقدر، إذ لا موضع هنا في التحقيق لكنه فر من إيهام العبارة)).
وإليه ذهب الألوسي أيضا، فقال في تفسيره: ((واستظهر أن الخلاف لفظي؛ فمراد أبي علي والزجاج العطف على المتوهم أي المقدر، إذ لا موضع هنا في التحقيق، لكنهما فرا من قبح العبارة)).
ثم تأمل معي قول سيبويه في الكتاب: ((لما كان الفعل الذي قبله قد يكون جزما ولا فاء فيه تكلموا بالثاني وكأنهم قد جزموا قبله)).
فعلى هذا يكون تقدير الآية عند الفريقين واحدا لا اختلاف فيه.
فالقول الراجح إذن هو العطف على الموضع القدر، وهو خير من القول بالعطف على التوهم لأنه لا ينبغي ولا يليق بكلام الله الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه".
وفرق الألوسي بين العطف على الموضع والعطف على التوهم تفريقا دقيقا، فذكر ((أن العامل في العطف على الموضع موجود وأثره مفقود، وأن العامل في العطف على التوهم مفقود وأثره موجود)).
أرجو أن يكون في هذه النقول مزيدٌ من البيان، ولعل الإخوة الكرام يضيفون المزيد أو يعلقون على هذه النقول.
وسلمتم، إخوتي، للمنتدى فاعلين مؤثرين.
ـ[أبو لين]ــــــــ[09 - 02 - 2007, 02:25 ص]ـ
بارك الله فيك أخي الحامدي ونفعنا الله بعلمك.