تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إنما اشتهر في المائة الرابعة وظهرت أوائله في المائة الثالثة وما علمته موجودا في المائة الثانية اللهم إلا أن يكون في أواخرها والذين أنكروا أن يكون أحمد وغيره نطقوا بهذا التقسيم. قالوا: إن معنى قول أحمد: من مجاز اللغة. أي: مما يجوز في اللغة أن يقول الواحد العظيم الذي له أعوان: نحن فعلنا كذا ونفعل كذا ونحو ذلك. قالوا: ولم يرد أحمد بذلك أن اللفظ استعمل في غير ما وضع له. وقد أنكر طائفة أن يكون في اللغة مجاز لا في القرآن ولا غيره كأبي إسحاق الإسفراييني. وقال المنازعون له: النزاع معه لفظي فإنه إذا سلم أن في اللغة لفظًا مستعملاً في غير ما وضع له لا يدل على معناه إلا بقرينة، فهذا هو المجاز وإن لم يسمه مجازًا. فيقول من ينصره: إن الذين قسموا اللفظ: حقيقة و مجازًا قالوا: [الحقيقة] هو اللفظ المستعمل فيما وضع له. [والمجاز] هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له كلفظ الأسد والحمار إذا أريد بهما البهيمة أو أريد بهما الشجاع والبليد.

وهذا التقسيم والتحديد يستلزم أن يكون اللفظ قد وضع أولًا لمعنى ثم بعد ذلك قد يستعمل في موضوعه وقد يستعمل في غير موضوعه، ولهذا كان المشهور عند أهل التقسيم أن كل مجاز فلا بد له من حقيقة وليس لكل حقيقة مجاز؟ فاعترض عليهم بعض متأخريهم وقال: اللفظ الموضوع قبل الاستعمال لا حقيقة ولا مجاز فإذا استعمل في غير موضوعه فهو مجاز لا حقيقة له.

وهذا كله إنما يصح لو علم أن الألفاظ العربية وضعت أولًا لمعان ثم بعد ذلك استعملت فيها، فيكون لها وضع متقدم على الاستعمال. وهذا إنما صح على قول من يجعل اللغات اصطلاحية فيدعي أن قوما من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا وهذا بكذا ويجعل هذا عاما في جميع اللغات.

وهذا القول لا نعرف أحدا من المسلمين قاله قبل أبي هاشم بن الجبائي، فإنه وأبا الحسن الأشعري كلاهما قرأ على أبي علي الجبائي لكن الأشعري رجع عن مذهب المعتزلة وخالفهم في القدر والوعيد وفي الأسماء والأحكام وفي صفات الله تعالى وبين من تناقضهم وفساد قولهم ما هو معروف عنه. فتنازع الأشعري وأبو هاشم في مبدأ اللغات، فقال أبو هاشم: هي اصطلاحية وقال الأشعري: هي توقيفية. ثم خاض الناس بعدهما في هذه المسألة، فقال آخرون: بعضها توقيفي وبعضها اصطلاحي وقال فريق رابع بالوقف. المقصود هنا أنه لا يمكن أحدا أن ينقل عن العرب بل ولا عن أمة من الأمم أنه اجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة في اللغة ثم استعملوها بعد الوضع وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعاني فإن ادعى مدع أنه يعلم وضعا يتقدم ذلك فهو مبطل فإن هذا لم ينقله أحد من الناس.

ولا يقال: نحن نعلم ذلك بالدليل، فإنه إن لم يكن اصطلاح متقدم لم يمكن الاستعمال. قيل: ليس الأمر كذلك، بل نحن نجد أن الله يلهم الحيوان من الأصوات ما به يعرف بعضها مراد بعض وقد سمي ذلك منطقا وقولا في قول سليمان: {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ} [النمل: 16]. وفي قوله: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل: 18] وفي قوله: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10].

وكذلك الآدميون، فالمولود إذا ظهر منه التمييز سمع أبويه أو من يربيه ينطق باللفظ ويشير إلى المعنى فصار يفهم أن ذلك اللفظ يستعمل في ذلك المعنى أي: أراد المتكلم به ذلك المعنى ثم هذا يسمع لفظًا بعد لفظ حتى يعرف لغة القوم الذين نشأ بينهم من غير أن يكونوا قد اصطلحوا معه على وضع متقدم، بل ولا أوقفوه على معاني الأسماء وإن كان أحيانا قد يسأل عن مسمى بعض الأشياء فيوقف عليها كما يترجم للرجل اللغة التي لا يعرفها فيوقف على معاني ألفاظها وإن باشر أهلها مدة علم ذلك بدون توقيف من أحدهم.

نعم قد يضع الناس الاسم لما يحدث مما لم يكن من قبلهم يعرفه فيسميه كما يولد لأحدهم ولد فيسميه اسما إما منقولا وإما مرتجلا وقد يكون المسمى واحدا لم يصطلح مع غيره وقد يستوون فيما يسمونه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير