تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأخطر ما فى هذه الترجمة هو الإشارة التفسيرية بين الهلالين، والتى تعبر عن فهم المترجمة الخاطئ لمعنى (ضالا). فهى تعتقد أنه يعنى «عابدا للأصنام». ذلك على الرغم من أن المفسرين المسلمين أشاروا إلى العديد من المعانى حول كلمة «ضالا» هنا، منها: أنها تعنى غافلا عن أمر النبوة، أو أنها تعنى لا تدرى القرآن والشرائع، أو أنها تعنى، وجدك فى قوم ضلال فهداهم بك، أو وجدك ناسيا شأن الاستثناء حين سألت عن أهل الكهف، وعن «ذى القرنين»، لكنهم أكدوا وأجمعوا على أنه لا يظن أن المراد به هنا الشرك. يقول الزمخشرى: «إن الأنبياء معصومون قبل النبوة، وبعدها عن الكبائر والصغائر، فما بال شبهة الكفر والجهل بالخالق».

ومما سبق يتضح أن عدم الإلمام بما جاء فى الأحاديث النبوية والقدسية، وكتب التفاسير والسيرة، وعدم التمكن من اللغة العربية يعدان سببا فى قصور الترجمة وعدم دقتها.

أحيانا يكون الموقف العدائى تجاه الإسلام سببا لتحريف القرآن بالعبرية، ويظهر ذلك بوضوح فى أول ترجمة عبرية كاملة للقرآن، وضعها المستشرق اليهودى حييم ركندورف. وصدرت بعنوان (القرآن، نقل من اللغة العربية إلى العبرية، مع التفسير). وبدأت بمقدمة فى 47 صفحة، قسمها المترجم إلى ثمانية أقسام على النحو التالى: 1 - بلاد العرب وسكانها قبل البعثة النبوية. 2 - حياة محمد.3 - القرآن (الكريم). 4 - ماذا أخذ محمد من عقيدة وكتب اليهود؟ 5 - ماذا أخذ محمد من عقيدة النصارى؟ 6 - ماذا أخذ محمد من المشركين؟ 7 - السنة، أو الشريعة الشفهية للعرب. 8 - أهم الفرق فى دين محمد.

ولهذه المقدمة أهمية هائلة فى توضيح التوجهات العدائية التى سيطرت على المستشرقين اليهود عند ترجمة القرآن الكريم، والتى أثرت بالضرورة على جودة الترجمة، وسنستفيد فى الجزء الخاص بمقدمة «حييم ركندورف» ببعض ما جاء فى الدراسة المهمة التى قام بها الباحث المتميز د. عامر الزناتى، ولم تلتفت أى منظمة إسلامية لطبعها ونشرها على نطاق واسع برغم أهميتها الفائقة فى هذا المجال.

يستهل ركندورف المقدمة بنبذة تاريخية عن الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، ثم يعرض لحياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من وجهة نظر يهودية، فيزعم أن الرسول رحل مع عمه للتجارة فى الشام والنقب، وهناك استقى محمد (صلى الله عليه وسلم) الكثير من المعارف والشرائع الخاصة بأهل هذه البلاد، وأشبع نفسه المتعطشة لمزيد من العلم والمعرفة، ثم استقى كثيراً من معارفه من «ورقة بن نوفل» ابن عم زوجته خديجة رضى الله عنها- والذى كان عالما بكتب اليهود والنصارى.

ويزعم ركندورف أن سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) عزف عن اليهودية، بسبب كثرة شرائعها، كما استهجن كثرة الفرق فى النصرانية، ومن ثم جعل همه وضع الأساس لدين جديد. وما إن سمع بدين إبراهيم (عليه السلام)، حتى تبنى هذا الاتجاه رافعا لواء عقيدة إبراهيم وديانته، ثم أدخل على دينه بعضا من شرائع وعقائد اليهود والنصارى!!

وكل هذا كلام تقليدى يردده المستشرقون، لكن ركندورف يزعم أن الوحى «محض خيال من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، نتيجة كثرة تأملاته، وتفكيره، وإصابته (باضطراب نفسى)، بل إنه (جن) فتخيل أن جبريل (عليه السلام) يحادثه ويوحى له بنبوءاته». ولا تتوقف وقاحات ركندورف عند هذا الحد بل يدعى أن «محمد ظل معتكفا فى الغار لمدة ستة أعوام متصلة إلى أن وضع «تصوراً علمياً» لدينه الجديد، فغادر الغار ليكشف أمره لأهله».

وقاحات وسفالات ركندورف تفوق التصور، وتثير الغثيان. لكن كان لابد من بعضها لتكشف للقارئ عن طبيعة ترجمته للقرآن الكريم من ناحية، وهدف الباحثين اليهود من وراء هذه الترجمات من ناحية أخرى. فالهدف هو الادعاء أن «الإسلام بدعة يهودية». وفى هذا السياق تحديدا يزعم ركندورف أن محمدا لم يقرأ أبدا أسفار العهد القديم، لكنه علم بمحتواها شفهيا عن طريق السماع. لذلك جعل يعقوب ابنا لإبراهيم (عليهما السلام)، كما جعل هامان مستشارا لفرعون، ووحد «مريم المجدلية، ومريم أم المسيح فى شخصية واحدة».

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير