تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فعلى كل ألماني أن يعد نفسه للحرب والقتل في سبيل تحقيق السيادة الكونية للأمة الألمانية في غضون أربع سنوات، وقد نجح بثمن باهظ من دماء الألمان في اجتياح معظم دول أوروبا وشمال إفريقية، وقل مثل ذلك في الشيوعية، فقد قدمت ضحايا شأنها في ذلك شأن أي حركة فكرية جديدة، بل قد صار "جيفارا" شهيدها الذي تفاخر بهمته الملوكية، مع كونه كافرا مارقا، فقد كان رمزا من رموز الإخلاص في سبيل فكر اعتنقه، ولو إلحاديا، فكان عليه، بمقتضى السنة الكونية، أن يدفع الثمن، وقد كان، فجوزي في هذه الدار بشهرة عظيمة فتنت بها أجيال من البشر: مؤمنهم وكافرهم!، فإذا كان ذلك حال أصحاب المذاهب الأرضية، فكيف بحركة راشدة كالحركة التي تشهدها أوساط الجيل الجديد من النصارى في مصر الذين ظهر لهم من دلائل الحق ما لم يظهر لآبائهم، كيف لا يجري عليها من السنة الكونية ما يجري على غيرها، بل إن ابتلاءها لا بد أن يكون أشد، فيبتلى المرء على قدر دينه، وأولئك الفضليات، ولا نزكيهن على ربهن، من أصحاب الديانة المتينة، بل إنهن أرسخ فيها من كثير من المسلمين الأصليين الذين ورثوا هذا الدين وراثة هوية، فإذا جاء ذلك الزمان، فعلى أولئك النساء أن يذكرن أن الطريق لم يكن ممهدا مفروشا بالورود، بل بذلت في سبيله دماء زكية، فالحذر الحذر، أن يقعن في نفس الخطأ الذي وقع فيه المسلمون الأصليون، فإنهم لما ورثوا هذا الدين، ولم ينظروا في تاريخ رجالاته، وما بذل من دماء وأموال في سبيل إظهاره وإبلاغه إلى بقية أمم الأرض تأويلا للأمر الشرعي بعموم التبليغ، فـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، فلما أغفلوا النظر في ذلك التاريخ الزاهر، هان عليهم أمر الدين، فقد تلقفوه بلا مقابل، فظنوه رخيصا، فبذله منهم من بذله بأبخس الأثمان، و: "إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"، كما أثر عن عمر، رضي الله عنه، يقول ابن القيم، رحمه الله، في "الفوائد"، في بيان منزلة الصحابة رضي الله عنهم:

"فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية فاستبانت لهم السبيلان كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده والطريق الموصل إلى الهلكة فهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم وهم الأدلاء الهداة وبذلك برز الصحابة علي جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة فإنهم نشأوا في سبيل الظلال والكفر والشرك والسبل الموصلة إلي الهلاك وعرفوها مفصلة ثم جاءهم الرسول فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى وصراط الله المستقيم فخرجوا من الظلمة الشديدة إلى النور التام ومن الشرك إلى التوحيد ومن الجهل إلى العلم ومن الغي إلى الرشاد ومن الظلم إلى العدل ومن الحيرة والعمى إلى الهدى والبصائر فعرفوا مقدار ما نالوه وظفروا به ومقدار ما كانوا فيه فإن الضد يظهر حسنه الضد وإنما تتبين الأشياء بأضدادها فازدادوا رغبة ومحبة فيما انتقلوا إليه ونفرة وبغضا لما انتقلوا عنه وكانوا أحب الناس في التوحيد والإيمان والإسلام وأبغض الناس في ضده عالمين بالسبيل على التفصيل.

وأما من جاء بعد الصحابة فمنهم من نشأ في الإسلام غير عالم تفصيل ضده فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين فإن اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما كما قال عمر بن الخطاب: "إنما تنقض عرى الاسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية". وهذا من كمال علم عمر رضي الله عنه فإنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول فإنه من الجاهلية فإنها منسوبة إلى الجهل وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل فمن لم يعرف سبيل المجرمين ولم تستبن له أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير