تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فليس من كان في ظلمة الكفر فأشرقت عليه شمس الإيمان، كمن اعتاد الجلوس فيها فلم يعد يدرك عظم النعمة، بل زهد فيها، فكان مقتضى السنة الكونية: أن يفقد الخلف كل ما مكاسب السلف، لأنهم زهدوا فيها، ولم يحرصوا عليها نشرا لها وذبا عنها، فلم يعد أحد من المتأخرين على استعداد للبذل في سبيل الدين، مع أن كثيرا منهم يتشدق بالبذل في سبيل الوطن!، وهي دعوى كاذبة، فالقلوب تنخلع حال الفعل، فكل من يبذل لغير الدين، فإنما يبذل بلسانه كلاما لا تأويل له من الفعل، والتاريخ شاهد بأن أشرس الحروب هي الحروب الدينية، والنازلة الأخيرة خير شاهد على ذلك، فهل كانت هذه المعركة، ولو لم يستعمل فيها السلاح على نطاق واسع إلى الآن!، هل كانت ستكون بنفس الضراوة، بل هل كانت ستنشب ابتداء، لو كان معقد الولاءؤ والبراء فيها: دنيا من مال أو منصب ..... إلخ، فإنما أبدى الكفار تلك الشراسة صيانة لملتهم من الانقراض، باعتراف رأسهم شنودة، فليس أكرم على الإنسان من دينه، فهو معقد ولائه وبرائه الأول، ولو كان باطلا يكذبه النقل والعقل، كما هي حال دين النصارى المبدل، ولكن قلوبهم قد اعتنقته، ونفوسهم قد أشربته، لفساد المحال، فظهر ذلك، بالضرورة العقلية، على ألسنتهم وجوارحهم، فهم ينتصرون له، ولو كان كثير منهم، لا سيما الرءوس، يعلمون يقينا بطلانه، فهلا استيقظ أهل الحق، فاستفادوا من هذه النازلة، ولو بإدراك قيمة الحق الذي بين أيديهم، بعد أن عجزوا أو كادوا عن استنقاذ أخواتهن!، فهذه حال من يفد عليه جديدا فلماذا برد في قلوب أصحاب الدار؟!.

فهل صار الزمان زمان قريش، فعلى من أرادت أن تشهر إسلامها أن تبحث عن حبشة لا يظلم أحد عند ملكها، لتظهر إسلامها، وتأمن على دينها ودمها، فلو أخذنا فرنسا مثالا، فهي مما صدرت المشاركة بعرض موجز لتجربتها في تقرير ما ارتضته لنفسها من علمانية تضاد الأديان عموما، ودين الكنيسة الكاثوليكية الذي سامها خطة الخسف بالتآمر مع الملكية والإقطاع خصوصا، لو أخذناها مثالا، فإن كثيرا من المسلمين، بل والمتدينين من أصحاب الهدي الباطن عقيدة والهدي الظاهر شعيرة، يسعون في الحصول على جنسيتها، لما يلاقونه في بلادهم من إكراه وتضييق، وإن كانت فرنسا هي الأخرى تمارس الآن ألوانا من الضغوط للحد من الظاهرة الإسلامية المتنامية التي باتت تهدد الكيان العلماني الفرنسي، فهو، كما تقدم، كيان راسخ، دفع الفرنسيون ثمنه غاليا، بل وصل الأمر إلى استدعاء الدين الكاثوليكي، أعدى الأعداء، للوقوف أمام المد الإسلامي، واجتماع العلمانية والكاثوليكية في جبهة واحدة أمر عجيب، فما قامت الأولى إلا على أنقاض الثانية، ولكنهما مع ذلك، ارتضيا التحالف، ولو مؤقتا، لصد هجوم العدو المشترك الذي يزحف الآن من الجنوب المسلم، ومع ذلك يظل المتدين في فرنسا ينعم بهامش حرية تقدمه العلمانية لا يجده في دول يفترض أنها إسلامية!، فلسان حال الناصح: هلا رحلتم إلى فرنسا فإن فيها ساركوزي الذي لا يظلم عنده أحد، والصحيح أن الذي لا يظلم عنده أحد، هو الجمهورية الفرنسية بقيمها العلمانية!، وليس رئيسا من رؤسائها، فليس إلا رمزا لنظام كافحت أمة لتقريره، وليس الأمر، بطبيعة الحال، على إطلاقه، فلا يظلم عند الجمهورية الفرنسية أحد في الحريات العامة التي اتسعت دائرتها فصارت ترعى الإلحاد الديني والانحلال الخلقي، فهو من جملة الحريات العامة التي يكفلها الدستور الفرنسي لكل مواطن، ومن جملة هذه الحريات العامة: الدين: صحيحا كان أو باطلا، طالما كان مسلكا شخصيا يقتصر على الاعتقاد والشعائر، وهو أقصى ما تطمح إليه الآن أمثال الأخت كاميليا، فلا يردن إلا أرضا يظهرن فيها الإسلام عقيدة وشعيرة، وإن كان مفهوم الإسلام الحقيقي أوسع من ذلك بكثير، ولكن سقف الطموحات لا يتعدى ذلك في الوقت الراهن، فلا يتعدى الهروب داخل مصر والتنقل من مخبأ إلى آخر، أو الهروب إلى خارجها ليظهر المسلم الجديد دينه بلا خوف من إرهاب المؤسسة الكنسية التي نمت وترعرت في أحضان الدولة المدنية المزعومة، التي تتشدق بالحريات العامة وتزعم الحفاظ على حقوق المواطن أيا كان دينه أو مذهبه، فليتها حققت عقد المواطنة مع ما فيه من قصور شرعي!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير