تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذكر القرطبي - رحمه الله - في قوله – صلى الله عليه وسلم -: (نم عليك ليل طويل فارقد) أن هذا من كيد الشيطان وتغريره بالإنسان، وقال: أنه – أي الشيطان - يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد…ومقصود الشيطان بذلك تسويفه بالقيام والإلباس عليه، وفي قوله: (يعقد الشيطان…) وعلى كل فالمراد أن التارك للذكر والطهارة والصلاة واقع تحت تأثير الشيطان ووسواسه، أي كأنما يتحكم فيه فيقوده ويوجهه بسيطرته وقبضه على قفاه، فهل ترضى أن تكون ذلك المأسور المستعبد؟ أم تكون ذلك القوي المنتصر - بإذن الله -.

إنه انتصار الطاعة على المعصية، والذكر على الغفلة، والعزيمة على الضعف، والخير على الشر، فما أعظمها من غنيمة، احرص عليها ولا تفرط.

الغنيمة الثانية: الانطلاقة الحيوية:ـ

ومرة أخرى نأخذ هذه الغنيمة من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – السابق، إنها غنيمة حسية مهمة، أثرها ظاهر بل باهر، وفائدتها أكيدة بل فريدة، تأمل معي قوله – صلى الله عليه وسلم - فيمن ذكر وتطهر وصلى الفجر: (أصبح نشيط النفس) إن افتتاح اليوم بالذكر والطاعة يجعلك منشرح الصدر، طيّب الخاطر، قوي العزم، متجدد النشاط، تنطلق وفي محياك وسامة، وعلى ثغرك ابتسامة، وينفرج –بإذن الله – كربك، ويزول-بعون الله- همّك، وترى من نفسك على الخير إقبالاً، وللطاعة امتثالاً، وتجد الأمور ميسرة، والصعاب مذللة، يلقاك التوفيق مع بشائر النهار، ويصحبك النجاح في سائر الأحوال.

وانظر - أخي- إلى من حرم هذه النعمة، وفاتته تلك المنة .. انظر إليه وقد أصبح في غفلة فإذا هو " خبيث النفس كسلان"، لا يصحوا إلا متثاقلاً، وتراه مكدر الخاطر، ضيق الصدر، فاتر العزم، تنظر إليه فكأنما جمع همَّ الدنيا بين عينيه، وكثيراً ما تتعسر أموره، وتتعثر مقاصده، إنه يكون خبيث النفس بسبب" إتمام خديعة الشيطان عليه" ويكون كسلاناً أي متثاقلاً عن الخيرات لا تكاد تسخو نفسه ولا تخف عليها صلاة، ولا غيرها من القربات، وربما يحمله ذلك إلى تضييع الواجبات.

[المفهم 2/ 140].

قال ابن عبدالبر: " هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعها. أما الذي انبعث للطاعة، وبادر للصلاة؛ فإنه يكون " طيب النفس " لسروره بما وفقه الله له من الطاعة، وبما وعده من الثواب، وبما زال عنه من عقد الشيطان،كذا قيل، والذي يظهر أن في صلاة الليل سراً في طيب النفس

[الفتح3/ 26].

ومن معاني النشاط أنه يكون نشيطاً لما يرد عليه من عبادات أخر من صلوات وغيرها؛ فإنه يألف العبادات ويعتادها حتى تصير له شرباً، فتذهب عنه مشقتها ولا يستغني عنها [المفهم2/ 409].

إنه ينشط بزوال آخر سحر الشيطان عنه، وكفايته إياه، ورجوعه خاسئاً عنه خائباً من كيده

ـ[إكمال المعلم3/ 142]. فما أحسنها من غنيمة تشبث بها ولا تضيع.

الغنيمة الثالثة: البشارة النورانية:ـ

حديث رواه عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ست عشرة صحابياً، أسوقه لك من رواية بريدة بن الحصيب – صلى الله عليه وسلم - عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (بشِّر المشَّائين في الظُلم بالنور التام يوم القيامة)

الجزاء من جنس العمل، والحق - جل وعلا – يقول: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}، وأنت عندما خرجت لصلاة الفجر، والظلام مازال يلف الكون، والدنيا مازالت في الغلس؛ فإن جزاءك ومكافأتك نور تام يوم القيامة؛ لأنك أطعت ربك، وأقبلت على مولاك، وطلبت النور لقلبك وروحك، تأمل معي لفظ الحديث: (بشر المشائين) أي من تكرر منه المشي إلى إقامة الجماعة، (في الظلم) أي ظلمة الليل، والبشرى هي (النور التام يوم القيامة)؛ لأنهم لما قاسوا مشقة ملازمة المشي في ظلمة الليل إلى الطاعة جوزوا بنور يضيء لهم يوم القيامة، وهو النور المضمون لكل مشاء إلى الجماعة في الظلم.

ولماذا وصف النور بالتام؟ والجواب: أن أصل النور يعطى لكل من تلفظ بالشهادتين من مؤمن أو منافق لظاهر حرمة الكلمة، ثم يقطع نور المنافقين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير