وفي التفسير مزيد من القول أنقله لك من تفسير الألوسي عند قوله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهوداً} حيث قال: أخرج النسائي وابن ماجه والترمذي والحاكم وصححاه وجماعة عن أبي هريرة – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال في تفسير ذلك: تشهده - أي قرآن الفجر - ملائكة الليل وملائكة النهار، وقيل يشهده كثير من المصلين في العادة، وقيل من حقه - أي قرآن الفجر - أن تشهده الجماعة الكثيرة، وقيل تشهده وتحضر فيه شواهد القدرة من تبدل الضياء بالظلمة والانتباه بالنوم الذي هو أخو الموت.
وأختم هذه الغنيمة بقول الألوسي المفسر - رحمه الله -: " ولا يخفى ما في هذه الجملة من الترغيب والحث على الاعتناء بأمر صلاة الفجر؛ لأن العبد في ذلك الوقت مشيع كراماً، ومتلقى كراماً، فينبغي أن يكون على أحسن حال يتحدث به الراحل ويرتاح إليه النازل ". فما أجلها من غنيمة، فلا تغب عن شهودها.
الغنيمة الخامسة: الحصانة الإلهية
عن جندب بن سفيان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:ـ
ـ (من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فانظر يا ابن آدم لايطلبنك الله من ذمته بشيء) [رواه مسلم].ـ
إنها حصانة إلهية، وحماية ربانية تكون بها-إذا صليت الفجر- في ذمة الله أي في حفظه، يصرف عنك الشرور، ويبعد عنك الأذى، ويسلمك من مهاوي الردى، إنه حفظ عظيم فريد، وإنه لشرف كبير أن تكون أيها العبد الضعيف في حماية الملك العظيم رب الأرباب، وملك الملوك، وجبار السماوات والأرض - سبحانه وتعالى -.
إن الله يدافع عنك، ويحذر من يتعرض لك بالأذى، فأنت في ذمة الله، أي في آمان الله وفي جواره، أي قد استجار بالله تعالى، والله تعالى قد أجاره، فلا ينبغي لأحد أن يتعرض له بضر أو أذى، فمن فعل ذلك فالله يطلب بحقه، ومن يطلبه لم يجد له مفراً ولا ملجأ، وهذا وعيد شديد لمن يتعرض للمصلين. [المفهم 2/ 282]. وعلى هذا فمعنى قوله – صلى الله عليه وسلم -: (لا يطلبنكم الله في ذمته بشيء) هو نهي للناس من أن يتعرضوا له بشيء؛ فإن فعلوا فإن الله يتهددهم.
[حاشية إكمال المعلم 2/ 630].
ومن جهة أخرى في الحديث تنبيه مهم لا بد من العناية به والانتباه له؛ فإن صلاة الفجر هي سبب ذلك الآمان والجوار؛ فإن تركتها لم يكن آمان ولا جوار؛ والمعنى الضمني في الحديث " لا تتركوا صلاة الصبح فينتقض العهد الذي بينكم وبين الله عز وجل " [حاشية إكمال المعلم 2/ 630].ـ
إنها ثمرة عظيمة، وغنيمة جسيمة، وأنت يا من صليت الفجر المؤهل لنيلها، فلا تفوت الغنيمة، وتعرض لها ولا تُعرض.
الغنيمة السادسة: النجاة العظمى
عن أبي زهير عمارة بن رويبة – رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) يعني الفجر والعصر [رواه مسلم].ـ
حديث عظيم، وبشارة كبرى، إنها السلامة والأمان من عذاب النيران، إنه المطلب العظيم والسؤال الدائم لأهل الإيمان {الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار} .. {ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار} .. {والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما، إنها ساءت مستقراً ومقاماً}، إن صلاة الفجر صمام آمان من النار، وسبب من أسباب النجاة من عذابها، ومعنى الحديث: " لن يلج النار من عاهد وحافظ على هاتين الصلاتين ببركة المداومة عليها " [المفهم 2/ 262].
عذاب النار الذي تخلع منه قلوب المؤمنين، وتشفق منه نفوسهم، وحق لهم ذلك فما أخبر الله به عنها فيه أعظم التهديد وأشد الوعيد إنها النار {وقودها الناس والحجارة}، ـ
كل هذا الهول العظيم والعذاب الأليم ألا تخشى منه؟ ألا ينخلع قلبك خشية أن تستوجب شيئاً منه؟ أليست إذن نعمة كبرى، ومنّة عظمى أن تسلم وتنجو منه؟ إنه غنيمة لا يمكن أن تقدر بثمن فعليك بها، ولا تدعها تفلت.
المصدر خير الزاد
ـ[ولادة الأندلسية]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 06:59 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أحسنت أحسن الله إليك، لا شلت يمينك
كنت رائعا كعادتك دوما، وكما عهدناك
فسر دوما على هذا الدرب حتى تصل غايتك.