تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بأن يكون المرء على صواب دائماً سيولد الخوف المثبط من الأخطاء، ويجهض فكرة غير صحيحة قد تقود إلى فكرة صحيحة أو تجربة مفيدة. وعليه، من الأفضل أن يكون لدينا أفكار كافية بعضها خطأ على أن نكون دائماً على صواب وليس لدينا أفكار مطلقاً.

بذا يتضح أن التفكير الإبداعي لا يهتم بطبيعة تنظيم المعلومات بقدر ما يركز أين ستقوده، وبدلاً من إصدار الأحكام يقوم بتأجيلها، بحكم أنه عملية تهتم بالتغيير وليس بالبرهان، عملية تبدأ برفض النماذج المتصلبة وتفكيكها، ثم يحاول تنظيم الأجزاء بطرق الإستثارة، عبر مناورات تقوم بخطف المعلومات وتحديثها وجمعها ثانية على شكل جديد فالتأجيل وتعليق الأحكام يجعل الفكرة تعيش لفترة أطول وتنتج أفكار أخرى وتتشعب.

إن الإتفاق العام على إفتراض ما ليس ضمانة بأنه صحيح، فالذي يضمن إستمرارية غالبية الإفتراضات هو الإستمرارية التاريخية وليس صحتها. وبناء عليه، الأفكار التي يحكم عليها بالخطأ ضمن إطار مرجعي قد تستمر حتى يتبين أن هذا الإطار قاصر وبحاجة إلى تعديل.

وإذا كان المقصود بالتفكير المنطقي هو سلسلة خطوات صحيحة، فإن التفكير الإبداعي يمكن أن يكون غير معقول عن قصد مسبق لكي يستثير ويحفز أنماطاً جديدة، فليس ثمة غير معقول في طرق التفكير الإبداعي كونه إتجاه يركز على تحدي المفاهيم المتصلبة وكسر عجرفة التعاليم العقدية وتشنجات الأحكام المطلقة، حتى لو تطلب ذلك المرور بالمنطقة الخطأ لرؤية الممر الصحيح .. وهنا تستوفني عنعنة شهبندر صناع الحياة- عمرو خالد- وسذاجتها حين قال: " الرسول فشل في معركة أحد ". قول مشوش يكشف عن تحليل سطحي يبدو منه أن صاحبنا نسي أن الرسول بُعث معلماً .. رحمة للعالمين .. وليس جنرالاً يغرق الأرض بالدماء .. تسطيح يؤكد أن المشكلة ليست فيما قال بقدر ما هي في نمط تفكيره العمودي القاصر الذي يتوهم بأنه يحتكر الصواب .. لماذا؟! إذا ما دققنا بقوله سنلاحظ أنه إنطلق من رؤية مجتزئة تتعامل مع النصوص ككيانات مستقلة تخضع لمنطق التجويز، وليست كياناً متناغماً في سياق متواليات تاريخية تتحرك في إطار نواميس كونية لن تحابي نزوع قدري لا يأخذ بالأسباب تمظهر بإصداره حكماً مباشراً يخلو من أي مظهر إبداعي فلم يؤجل الحكم على الأقل لفاصل ونواصل .. ولو فعل وتبصر الموقف قليلاً لتأكد أن المعلم أراد نصراً بلا تعرّقات، إدراكاً منه بأن المنافقين لن يحاربوا لا داخل المدينة ولا خارجها، ولو إستجاب للصحابة بالبقاء لقالوا أنه خائف وغيرها من أراجيف لخبال النفوس أبسطها إنشقاق المنافقون .. وإنتصر المسلمون .. أين الفشل؟ لقد إقترف الرماة خطأً فادحا عندما خالفوا تعليمات القائد ونزلوا عن الجبل بلا مبرر .. تخيلوا لو وقع هذا الخطأ في المدينة ماذا كان سيحدث؟! يا ترى هل تعلمنا الدروس والعبر المستقاة من معركة أحد مثلما أراد سيد الأنام. وأولها دفع الأذى عن الناس ونقل المعركة إلى أرض العدو، والتي أصبحت اليوم عقيدة الجيش الإسرائيلي. ألا تعني بشرى الرسول لأحد الصحابة بسوارى كسرى في وقت لم يكن يجرؤ أحد الذهاب لقضاء الحاجة كما وصف أحد المنافقون بأنه قفز إلى النتيجة النهائية قفزة غير منطقية تأكدت صحتها بعد ملئ الفراغات ..

والآن .. لو وضعنا ماءً ساخناً في بانيو الحمام ثم ماءً بارداً عندئذٍ ستتعرق جدران الحمام. ولكن لو وضعنا الماء البارد ثم الماء الساخن لن تحدث تعرقات، لم تتغير المقادير ولكن إختلفت النتائج، ها هو الفرق بين التفكير العمودي والتفكير الإبداعي .. لقد أخطأ صاحبنا حين إعتقد أن تفكيره العمودي القاصر كاف وحده لمعالجة مقدمات ونتائج معركة أحد. إذاً، بأي منطق نصب تفكيره الناقص قاضياً لمحاكمة فكراً ثاقباً وثاباً أعاد صياغة شخصية الإنسان وفجر طاقاته الإبداعية وأنتج نضجاً فكرياً مباغتاً مكوناً أعظم حضارة بسرعة تشبه سرعة حدوث الإنفجار كما وصفها كانتور ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير