[من قضايا تعليم اللغة العربية ... رؤية جديدة]
ـ[الجنرال رومل]ــــــــ[17 - 03 - 2009, 04:40 م]ـ
يتطرق الباحث الدكتور نعمة رحيم العزاوي في كتابه (من قضايا تعليم اللغة العربية) اكثر من فائدة بدءاً بالعنوان الفرعي (رؤية جديدة) اذ يحمل هذا العنوان تنبيهاً اولياً للقارئ بان ثمة رؤية مستحدثة اجتهد الباحث في صياغتها وتقديمها للمتتبع
كي تكون له عوناً على تقديم درس لغوي جديد يتماشى مع روح العصر خاصة ان هناك اكثر من تهمة بان اللغة العربية تعاني جموداً في طرق تدريسها وقوالبها واشكالها المتوارثة، فلا بد اذن من تحديث طرق التعليم وآلياته، واذا انتقلنا الى المقدمة فاننا نجد الباحث يؤكد (على ضرورة ان يتخلى قارئ هذا الكتاب عن مشاعر الالفة والاعتياد ويركن الى منطق العقل حسب).
ان مثل هذا التأكيد يمثل تمهيداً اولياً لقبول الجديد المقترح في متن الكتاب التي عبر عنها الباحث بـ (الطرائق الجديدة) التي (تحقق لنا تعليماً افضل). لقد عالج الدكتور في القسم الاول من الكتاب مسألة (اكتساب اللغة) وهي محل خلاف بين المنظرين: هل تكتسب اللغة ام تورث؟
لقد دأب القدماء على افتراض ان اللغة تورث ولا تكتسب، فاللغة في نظر الفرزدق وغيره - كما اكد الباحث - (لا تنال بالتعلم وانما هي شيء يورث) وهنا في هذا الكتاب نجد ان الكاتب يعارض ويدحض هذه الرؤية ليقول: بامكانية اكتساب اللغة عن طريق التعلم ولا علاقة للوراثة بهذا الموضوع فكما يتنفس الانسان ويأكل لابد ان يتكلم، اما نوع الكلام فهذا راجع للتنشئة الاجتماعية ولغة المجتمع.
يستطرد الباحث في ذكر امثلة كثيرة اوردها القدماء عن وراثة اللغة منها مثلاً ان الاصمعي لا يثق بالكميت لانه (تعلم النحو وليس بحجة) معنى هذا ان النحو ليس تعلماً او ان التعلم وحده لا يؤدي بالمرء الى درجات عليا من الوثوقية بعلمه كما يورد الباحث افكاراً في مقابلة هذه الفكرة من بينها تأكيدات ابن خلدون على ان اللغة ظاهرة اجتماعية.
اما على مستوى تعليم اللغة فان الباحث يشير الى طريقتين: الاولى يدعوها بـ (التلقائية)، وهي طريقة العرب القدامى والثانية: (القاصدة) وهي الطريقة التي يتبعها المعلمون او المؤدبون التي جاءت بعد ان طرأ اللحن على كلام العرب وفسدت البيئة اللغوية بسبب الاختلاط بالاعاجم في حينها، ويخلص الباحث الى ان الطريقة (التلقائية) هي الاجدى والانفع على مستوى التعليم.
اما على صعيد (اصلاح تعليم اللغة العربية) فان الباحث يدعو الى اصلاح المفاهيم العامة اولاً وتعويد الطالب على المشافهة باللغة بدلاً من الكتابة وحدها ويطلق على هذه المشافهة (الاستعمال).
الذي ينقص طلبتنا في حياتهم المدرسية او العامة، كما يؤكد الباحث العناية بالطالب مستعمل اللغة وليس على قوانين اللغة وحدها مما يؤدي الى جمودها في الذهن وقلة تأثيرها.
ان تعويد الطالب على مشاهدة الكلام المشكول تؤدي الى (تسريب قوانين اللغة وانظمتها الى ذهنه على نحو تلقائي) ص23، وبعد هذا ينتقل الى التأكيد على ضرورة (العناية بالمادة اللغوية المدروسة) على ان تكون مما يجري تداوله على السنة الادباء والمثقفين والاعلاميين.
اما على مستوى (الاتجاهات الحديثة في تعليم اللغة) فان الباحث يؤكد ضرورة (تدريس اللغة على انها وحدة متكاملة فليس هناك قواعد وحدها ولا أدب وحده) ص29.
ان هذه الرؤى جميعها يختزلها تعبير (التعليم الوظيفي للغة) الذي يقتضي اتقان أربع مهارات.
هي (الاستماع والقراءة والكلام والكتابة) ص31 علماً ان هناك مهارة لغوية خامسة يسميها (التفكير) وهي تحصيل حاصل الاستقبال والارسال.
اما بالنسبة لمفهوم (القراءة) فان الباحث في ص38 يتطرق الى تجديد معنى القراءة والنظر اليها على انها عمليتان متصلتان:
الاولى: يطلق عليها (ميكانيكية) تمثل الاستجابة الطبيعية لما مكتوب.
الثانية: العملية العقلية التي (يتم بها تفسير المعنى) ثم ينتقل الكاتب من المفهوم العام للقراءة الى الطرق التي يتبعها المعلمون من بينها المقدمة وطريقة عرضها، ومن بعدها مهارات القراءة التي تتكون من ركيزتين: الفهم والاداء اللفظي.
اما على مستوى التعبير فان الباحث يفحص الاصطلاح الشائع الذي ندعوه بـ (الانشاء) ليقول: (ان الانشاء يعني الخلق والابداع).
وهو امر يحتاج الى موهبة بينما التعبير هو الادق اذ اننا نريد ان نعلم الطالب امكانية التعبير عما يعترضه من اشياء في حياته علماً ان لهذا الاصطلاح (التعبير) مستويات او درجات (يعلو بعضها بعضاً) على حد قول الباحث (فهناك اللغة المفهمة واللغة الصحيحة واللغة البليغة) ص72.
ان مهارات التعبير الشفهي تحتل مكانة خاصة في هذا الميدان وهناك اكثر من طريقة لترتيب الافكار (التركيز على الجوانب المهمة في الموضوع) ص81 لقد انتبه الباحث وهو بصدد الحديث عن النحو او (قواعد اللغة العربية) الى التفريق بين امرين: (اللغة والكلام) باعتبار ان (الكلام نشاط حي فيه جدة الاستعمال وحيويته) ص88 كما ان الكلام يقترب من مفهوم (السليقة) التي تقوم اللسان، وهو هدف نتوخاه جميعاً من خلال دراسة القواعد.
كما تطرق الباحث الى ما اسماه بـ (مشكلة النحو) ص91 هذه المشكلة التي يقف وراءها اكثر من سبب اولها اثر المنطق في علم النحو الامر الذي ادى الى تعقيد هذه الدراسة.
لقد استطاع الدكتور (نعمة رحيم العزاوي) ان يبحث اكثر من معضلة على مستوى اللغة والقواعد وطرق تدريسها، كما انه سعى الى تقديم مفاهيم جديدة بهذا الشأن.
¥