قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ شِبْهُ الْمَجْهُولِ، وَحَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَآفَتُهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْعَمْيَاءِ، فَقَدْ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَخُولِفَ عَلَى رِوَايَتِهِ بِهَذَا التَّمَامِ، فَرَوَاهُ عَبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ، وَخَالَفَهُ فِي ثَلاثٍ:
(1) الاقْتِصَارُ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ «لا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ .... ».
(2) لَمْ يَذْكُرْ حِكَايَةَ الصَلاةِ الْخَفِيفَةِ، وَلا وَصْفَهَا بأَنَّهَا صَلاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!.
(3) جَعَلَ الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَلَيْسَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ!.
فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ «التَّارِيْخُ الْكَبِيْرُ» (4/ 97)، وَالطَّبَرَانِيُّ «الْكبيْرُ» (6/ 73/5551) و «الأَوْسَطُ» (3078)، وَابْنُ قَانِعٍ «مَعْجَمُ الصَّحَابَةِ» (1/ 266)، وَالْبَيْهَقِيُّ «شُعُبُ الإِيْمَانِ» (3/ 401/3884)، وَالذَّهَبِيُّ «سِيَرُ الأَعْلامِ» (2/ 327) مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَالِحٍ حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ عَبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِتَشْدِيدهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَسَتَجِدُونَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ».
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْقَيِّمِ: «وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْعَمْيَاءِ، وَدُخُولِ سَهْلِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي صَلاةً خَفِيفَةً كَأَنَّهَا صَلاةُ مُسَافِرٍ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَصَلاةُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ اِبْنُ أَبِي الْعَمْيَاءِ، وَهُوَ شِبْهُ الْمَجْهُولِ , وَالأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ أَنَسٍ كُلّهَا تُخَالِفُهُ فَكَيْفَ يَقُولُ أَنَسٌ هَذَا، وَهُوَ الْقَائِلُ: إِنَّ أَشْبَهَ مَنْ رُئِيَ صَلَاة بِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ يُسَبِّح عَشْرَاً عَشْرَاً، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَرْفَع رَأْسه مِنْ الرُّكُوع حَتَّى يُقَال: قَدْ نَسِيَ، وَكَذَلِكَ مِنْ بَيْن السَّجْدَتَيْنِ، وَيَقُولُ: مَا آلَوْا أَنْ أُصَلِّي لَكُمْ صَلاةَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ الَّذِي يَبْكِي عَلَى إِضَاعَتِهِمْ الصَّلاةَ. وَيَكْفِي فِي رَدِّ حَدِيثِ اِبْنِ أَبِي الْعَمْيَاءِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيْحَةِ الَّتِي لا مَطْعَنَ فِي سَنَدِهَا وَلا شُبْهَةَ فِي دِلالَتِهَا. فَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ اِبْن أَبِي الْعَمْيَاءِ، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ الصِّحَّة لَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ صَلاةُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ، كَسُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهَا، لا أَنَّ تِلْكَ صَلاتُهُ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا بِأَصْحَابِهِ دَائِمَاً. وَهَذَا مِمَّا يُقْطَعُ بِبُطْلانِهِ، وَتَرُدّهُ سَائِر الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيْحَةُ. وَلا رَيْبَ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَفِّفُ بَعْضَ الصَّلاةِ كَمَا كَانَ يُخَفِّفُ سُنَّةَ الْفَجْرِ، حَتَّى تَقُولَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: هَلْ قَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ!، وَكَانَ يُخَفِّفُ الصَّلاةَ فِي السَّفَرِ، حَتَّى كَانَ رُبَّمَا قَرَأَ فِي الْفَجْرِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ , وَكَانَ يُخَفِّفُ إِذَا سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ. فَالسُّنَّة التَّخْفِيفُ حَيْثُ خَفَّفَ، وَالتَّطْوِيلُ حَيْثُ أَطَالَ، وَالتَّوَسُّطُ غَالِبَاً. فَاَلَّذِي أَنْكَرَهُ أَنَسٌ هُوَ التَّشْدِيدُ الَّذِي لا يُخَفِّفُ صَاحِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إِلَى التَّخْفِيفِ , وَلا رَيْب أَنَّ هَذَا خِلافُ سُنَّتِهِ وَهَدْيِهِ» اهـ.
ـ[محمد المبارك]ــــــــ[18 - 12 - 06, 01:26 ص]ـ
الإجازة و الاستجازة في هذا العصر لا تخلو من فائدة، و لو لم يكن إلا التذكير بطرق الأوائل في حفظ مروياتهم.
و لكن الفائدة المرجوة في هذا العصر قلَّت كثيراً.
فبالنسبة لرواية الحديث فإن تصحيح حديث أو تحسينه أو جمع طرقه بالرواية في هذا العصر متعذرة و لاشك.
و بالنسبة لرواية الكتب و المصنفات فبعد ظهور الطباعة فإن النسخ المطبوعة و المحققة ـ لا سيما تلك المحققة من قِبَل أهل العلم و التمكن ـ أوثق بمراحل من كثير من الاجازات بالمصنفات و التآليف التي قد تختلف ألفاظها بل نسخها، بل كثيرٌ من رواتها لا يخلو من مقال، و في أحيان كثيرة لا يسلم من جهالة العين أو الحال، والله أعلم.
¥