فليست إجازة بالفتوى أو التعليم أو التدريس، وإنما هي مجرد إجازة لروايةِ كتب قد لا يُحْسِن المجيز والمجاز قراءة اسمها على الوجه الصحيح!! لكن يكفي في شروط ذلك أن يتوافر الستر والصدق في رواية الكتب، مع شهرة هذه الكتب في الناس، ليؤمن من دخول الخلل فيها من جهة الرواية.
بخلاف إجازة الفتوى والتعليم والتدريس، فنادرًا ما تقع في زماننا هذا، وقد تشرفتُ برؤية إجازة من الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله لأحد مشايخ مصر بالفتوى والدعوة، ولو كنتُ أنا حصلت على واحدةٍ كهذه، ومن مثل ابن باز رحمه الله لصورتها ونشرتها في الناس، وربما أمللتهم من تذكيرهم بها، لعلو منزلتها، وسامي مكانتها، بخلاف إجازة الرواية التي لا تعني شيئًا سوى مجرد الرواية لكتبٍ، قد لا يفهم المجيز والمجاز فيها شيئًا.
ولا يحق لهذا الصنف الكلام في العلم، ولا يصح لغيرهم مطالبتهم بذلك، فليسوا من أهل العلم، ولا من طُلابه.
كما أنه لابد من الحرص على الإجازة والرواية عن أهل السنة لا غير، عملاً بقواعد المحافظة على الدين، وطرد المبتدعة وهجرهم، زجرًا لهم عما هم فيه من بدع وخرافات، وتنبيهًا لغيرهم وتحذيرًا عن التلبُّسِ ببدعةٍ تذهب بهم إلى نفس مصير أشياخهم من الهجر والحرمان من الرواية عنهم.
كما ينبغي مقاطعة كتب هذه الفئة الخبيثة، وترك الاشتغال بها، بل ومقاطعة شراء هذه الكتب، فضلا عن نشرها والدلالة عليها، وكذلك الحال بالنسبة للإجازات، وعندنا في أهل السنة والجماعة غنًى عن غيرهم بحمد الله عز وجل.
وبطبيعة الحال فالبدع تختلف من بدعةٍ لأخرى، وهناك من أهل البدع من يجهل ما هو عليه، وهذا لا أجد حرجًا من الرواية عنه، والاستجازة منه، كما روى أسلافنا الكرام عن بعض المبتدعة، إذا لاح صِدْقهم في الرواية.
أما المبتدع الداعي لبدعته، الكاذب الأفاك، مثل ما سبق من حال (محمود سعيد ممدوح) و (عيسى الحميري) وما كشَفَه الأستاذ السنيّ التكلة أدام الله توفيقه مِن حالهما الخبيثة، ونشرهما الموضوع وترويجه، كذبًا وزورًا، فهؤلاء الكذبة وأمثالهم لا كرامة لهم، ولا يقربهم إلا خائنٌ للدين والسنة، متبعٌ لهواه، فيُرْمَى بهم وبرواياتهم وإجازاتهم، قاتلهم الله ومن على شاكلتهم جميعًا.
ولنعد إلى مقصودنا في بيان عدم التلازم بين الإجازة وبين العلم، فليس كل حاصلٍ على إجازة في الرواية يكون عالمًا بالضرورة، وإنما إجازة العلم والإفتاء أمر آخر يختلف تمامًا عن إجازة الرواية التي نحن بصدد التنبيه على خلوِّها مِن معنى الإجازة بالعلم وتصدُّر المجالس، وفيما مضى كفايةٌ في هذا الشأنِ إن شاء الله عز وجل.
ويتلخص لنا من ذلك كله: أن الإجازة المجردة لا تعني شيئًا، ولا يلزم منها العلم أو الفهم، ولا شيء من ذلك أو قريب منه أبدًا.
ويمكن لنا تقسيم حمَلَة الإجازات في عصرنا إلى قسمين:
الأول: علماء أجازهم مشايخهم وأجازوا هم تلامذتهم وأمثالهم، ويلحق بهؤلاء طلبة العلم.
الثاني: حَمَّال إجازات لا خبرة له برواية ولا علم ولا فهم، فهو يتبجح في الناس بما له من إجازات، وما حواه من أوراق وأختام لا قيمة لها في سوق العلم إلا من جهةٍ واحدة فقط، وهي اشتراك هذا الحمال في قافلة حفظ أسانيد الأمة المباركة، فهو مشكورٌ في سعيه وعمله من هذه الجهة، غير أنه يلزمه الاعتراف دائمًا بكونه ((حمالا)) ينقل ويساهم في النقل لا أكثر، مع اعترافنا بقيمة منزلته، وشكرنا له عليها، غير أن العلم شأن آخر لا تلازم بينه وبين هذه الأمور.
ومصداق ذلك في ألوف الإجازات وقلة العلماء ... ألا مِن مُعْتَبِر؟!!
وأختم بشكوى ابن الجوزي من أولئك الذين تصدروا المجالس لمجرد حصولهم على الإجازات، حيث قال في رائعةٍ من روائعه التي سطرها في كتابه ((صيد الخاطر)):
((ومنهم مَن يجمع الكتب ويسمعها، ولا يدري ما فيها، لا من صحة حديثها، ولا من فهم معناها، فتراه يقول: الكتاب الفلاني سماعي، وعندي له نسخة والكتاب الفلاني والفلاني، فلا يعرف عِلْم ما عنده مِن حيث فهم صحيحه مِن سقيمه، وقد صَدَّه اشتغاله بذلك عن المهم مِن العلم، فهم كما قال الحطيئة:
زوامل للأخبار لا علم عندها ... بمثقلها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ... بأوساقه أو راح ما في الغرائر
ثم ترى منهم مَن يتصدَّر بإتقانه للرواية وحدها، فيمد يده إلى ما ليس مِن شغله، فإن أفتى أخطأ، وإن تكلم في الأصول خلط، ولولا أني لا أحب ذِكْر الناس لذكرتُ مِن أخبار كبار علمائهم وما خلطوا ما يُعتبر به، ولكنه لا يخفى على المحقق حالهم)) انتهى.
وبهذا نكتفي، والحمد لله تعالى.
ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[25 - 03 - 06, 10:15 م]ـ
بحث طيب موفق، وجهد واضح، وتوصيات مهمة مفيدة.
إنني أرد لك الشكر الشخصي وأقول: ما قمتُ به كان واجباً أراه عينياً عليّ، والفضل لله أولا وآخرا أن أكرمنا ووفقنا لنصرة السنة.
وأشكرك على حسن ظنك.
أما الافتراء المعاصر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد سبق مثله من أكثر من مائة سنة من شيخ غلاة صوفية عصره أبي الهدى الصيادي الرفاعي أن وضع أربعين حديثا مرفوعا (لاحظ توافق العدد مع مصنف الحميري، فضلا عن المذهب) من رواية الرفاعي بأسانيد مخترعة، وطبعها في رسالة مستقلة.
كما وضع رسالة في مناقب الرفاعي نسبها للسيوطي بعنوان الشرف المحتم، وفيها القصة المشهورة الوضع في تقبيل الرفاعي ليد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا مقال متميز في الكلام على الصيادي ووضعه لما سبق، على هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=75731
وهنا مقال فيه اشتراك جزئي مع بعض ما جاء في بحث أخينا المستشار جزاه الله خيرا، حول الرواية عن غلاة الصوفية، وموقف بعض أهل العلم من ذلك:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=76234
شكر الله لك أخي المستشار.
¥