تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المصفّى، أو معدنٍ أثمنَ منه لايُوْجَدُ إلاّ في خيالِ المؤمن وتفكيرِ الصالح المُتَعَبِّد.

وإلى جانب براعته في هاتين اللغتين الكريمتين كان له إلمام كبير باللغة الإنجليزية واللغة الفارسيّة، ولكنّ الأوليين هما اللتان اختارهما لإنتاجاته العلمية والأدبيّة وكتاباته الفكرية والدعويّة. ولاسيّما اللغة الأرديّة التي كَتَبَ وَأَلَّفَ بها في السنوات الأخيرة كثيرًا فأثراها بنتاج علمه وفكره.

كان علمُ التفسير من بين علوم الشريعة، وكانت فنونُ الأدب ومواضيع الدعوة والإصلاح من بين الاهتمامات هي التي ظلّت موضعَ عنايته الخاصّة إلى جانب ميل إلى موضوع التاريخ والسيرة النبوية. وقد صدر بقلمه في هذه المواضيع كتاباتٌ ومُؤَلَّفَاتٌ تمتاز بأسلوبها الرائع، وعرضها الشيق، وموادّها الدسمة، ولغتها الشهيّة التي كان يرغب فيها القارئ رغبةَ المُتَذَوِّق في مأدُبةٍ لذيذةٍ.

وكتاباتُه الأردية، كان يقرؤها القارئ، فكثيرًا ما كان يظنّها لغةَ الكاتب الأردي الفارع القدم الأديب الإسلامي البارع الشيخ عبد الماجد الدريا بادي رحمه الله (1309 - 1397هـ = 1892 - 1977م) ولاغرو فقد تَشَبَّعَ أيّامَ تحصيلِه بكتاباته التي كان يقرؤها بنهم وشغف. فأَخَذَ عنها عذوبتَه الساحرة، وعفويّتها الجاذبة، التي كان يتعامل بها بشكل كان على نجوة من كل شيء يُصَنَّف ضمن "التصنّع" و "التكلّف" و ما إلى ذلك من النقائص الكتابية التي يَمُجُّها الذوقُ السليم ويَتَأَذَّى بها القارئُ المُتَذَوِّق للأساليب اللغويّة الصحيحة.

ومهما كان المرأ بارعًا في لغةٍ، ممتلكاً ناصيتَها، وكان ناحتًا فيها أسلوبًا فريدًا يُعْرَفُ به، فلا يقدر على إنتاجها نابضةً بالحياة، حيّةً بما يُغَذِّي الروحَ، ويُشَبِّع القلبَ، ويُروِّي الفكرَ ويُرَبِّي العقيدةَ التي تَتَمَلَّكُ على القارئ مجامعَ تفكيره ومصادر تحرّكه .. لايقدر على ذلك كله مالم يكن صادرًا عنّ الحبّ النبويّ. والاعتقاد بأنّه – صلى الله عليه وسلم – إمامُ الكل ومنيرُ السبل وسيّدُ الرسل، وبأنه لن يتمّ إيمانه مالم يحبّه أكثرَ من حبّه لنفسه ولأولاده ولكل من يحبّه على وجه الأرض.

كان الشيخ عبد الله الندوي سعيدًا بحظّ وافر من هذا الحبّ الشريف والاعتقاد الكريم؛ فأنتج أدبًا يَسْطُعُ نورًا، ويَتَأَلَّقُ بركةً، ويدعو القارئَ لقراءته والاستفادةِ منه والارتواءِ بما فيه من فكر نَيِّر، ورأي خَيِّر، ومعنى شريف.

كما أنه – رحمه الله – كان مُدَرِّسًا مُؤَهَّلاً يمتلك مقدرةً ممتازةً على الإرسال المُثْمِر، والطرح النافع، والتفهيم الجيّد، بتقريب الموادّ إلى أفهام المُتَلَقِّين بالإيجاز والتفصيل المطلوبين في مكانهما، وبالشرح السهل المُسَهِّل لما يتعرّض له من الموادّ؛ فيتلقّاها الحضور تَلَقِّيًا عَفْوِيًّا في لذةٍ وطيبِ نفسٍ، مُزْجِيْنَ له الشكرَ والتقديرَ. وكان ذلك هو أسلوبَه في الحديث العامّ يلقيه في حفل، وفي الحديث الخاصّ يشاطره الجالسين إليه في المجلس الذي كثيرًا ما ينعقد بشكل عَفْوِيّ فيما بعد تناول العشاء أو بعد صلاة العصر في بيته أو في دار ضيافة بدارالعلوم ندوة العلماء أو في الفناء الذي أمامها. وكانت أحاديثُه الشهيّة تشفّ دائمًا عن تديّنه وصلاحه وحبّه للنبي صلى الله عليه وسلم في جانب؛ وتألّمه من الحالة المؤسفة التي تعيشها الأمة في كل مكان في العالم؛ ومن القضايا الكثيرة الشائكة التي تواجهها؛ ومن المخاطر والمحاذير التي تقوم على رأسها فاغرةً فاها في جانب آخر؛ وعن بَصَرِه بأمور الحياة وتعمّقه في اللغتين العربية والأردية، ومعرفته الدقيقة بمزاياهما وخصائصهما في جانب ثالث؛ وعن تجاربه الطويلة في مجال التعليم والتربية والأسلوب الناجع لتخريج الجيل المُؤَهَّل للقيادة والوصاية في جانب رابع؛ وإلى جانب ذلك عن ثقوب نظره، وانفتاحه وذكائه، وخفّة روحه، ووقاره العلمي. فكان مُجَالِسُوه يَجْنُوْنَ ثمراتٍ كثيرة في أوقاتٍ قليلة محدودة، وكانوا يَتَفَاكَهُون؛ فلا يَسْأَمُون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير