وكان ذلك بإشراف ومُتابعة كل من الشَّيخ (سليمان بن فائع) أمينًا للصُّندوق، وعضوية كل من: رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر الشَّيخ (عبدالله العواد)، والشَّيخ (محمد بن محمد البشري)، و (يحيى بن حسن بن مستور). أما الموجِّه للجميع والمُشرف العام على جهود الدَّعوة والدُّعاة وتحفيظ القُرآن الكريم فهو سماحة الشَّيخ (عبدالله بن يوسف الوابل) رئيس محاكم منطقة عسير الأسبق (رحمه الله). ونائبه فضيلة الشَّيخ (إبراهيم الرَّاشد الحديثي) رئيس محاكم منطقة عسير السَّابق (حفظه الله).
ولعلم المشايخ بمدى ما وصلت إليه جماعة التحفيظ في مكَّة المُكرمة من توسُّع في ميدان تحفيظ القُرآن الكريم، ولما تملك من الأوقاف التي تدعم نشاطها التوسُّعي في مكَّة، وفي خارجها، رأى المشايخ في مدينة أبها ضرُورة التخاطُب مع معالي وزير الدَّولة المُشرف على عمارة الحرمين الشريفين ورئيس جماعة تحفيظ القُرآن الكريم في مكَّة المُكرَّمة الشَّيخ (محمد صالح قزَّاز)، لضمِّ مدرسة أبها لمدارسهم من حيث المصاريف والنَّفقات، وتأمين مُدرسين أكفاء.
فصدرت موافقته، وتمَّ بعث الشَّيخ عُبيدالله الأفغاني لأبها، وما زال الأمرُ كذلك حتى تمَّ الانفصال عن مكَّة والاستقلال بإدارةٍ خاصَّةٍ تُشرف على مدارس التحفيظ في أبها. ولما يتميَّز به الشَّيخ عُبيدالله من خلُقٍ وعلمٍ، حرص الطَّبيب مُصطفى غُلام على حث الشَّيخ على الخروج إلى أبها؛ لما لمس فيه من قُدرات، وأنَّه الرَّجُل المُناسب لتلك المنطقة، واستطاع في النِّهاية إقناعه بعد أن كان يرفض بتاتًا الخروج من مكَّة المُكرَّمة مهما كانت المُغريات.
وكان أساس خروجه على أن يبقى في أبها فترة الصَّيف فقط، ثمَّ يعود بعد ذلك إلى مكَّة المُكرَّمة، فحضر إلى أبها ومعه زوجته أمُّ عبدالله، وأبناؤه الصَّغار.
(الحلقة الثانية)
وصل الجميع إلى أبها وكان في استقبالهم المُشرف على مدرسة مسجد برزان الشَّيخ الفاضل سليمان بن فائع، وزملاؤه كل من: الشَّيخ (سعيد بن مسفر بن مفرح)، والشَّيخ (أحمد بن حسن بن محمد).
وأسكنوهم في نُزل المسجد تحت المئذنة، تمهيدًا للتَّرتيب لسُكناهم، وقد احتفى بهم جميع السُّكان وأكرموهم.
وفرض الشَّيخ احترامه على الجميع، من أول لقاء؛ بما يظهر عليه من السَّمت والوقار.
ثم بُدئ بترتيب السَّكن له، وقد انتقل في مساكن مُتعددة طوال إقامته في أبها (كما سيأتي).
وكان يعقد حلقات التَّدريس في مسجد (برزان) ويقُوم بمُساعدته الشَّيخ سليمان بن فائع في ضبط الطُّلاب وتأديبهم؛ لأنَّه في الأساس لم يكن يُريد تدريس الصِّغار، بقدر ما كان حريصًا على تدريس الكبار، لكن وفَّقه الله في تعليم الصِّغار والكبار.
وفي يوم من الأيام بعد أن عقد الحلقة لاحظ الشَّيخ أنَّه لا يجلس فيها إلا صغار السِّن، فوجه سُؤالاً للشَّيخ سليمان بن فائع، لماذا لا يدرس الكبار؟.
فقال: من تعني من الكبار؟.
قال: طلاب العلم أمثالكم.
قال له: قد سبق لنا دراسة القُرآن الكريم في المدارس، ولدى المشايخ.
قال: ولكن أريد أن تدرسُوا القُرآن الكريم بالتَّجويد.
فكان أن استجاب له الشَّيخ سليمان، واجتمع معه عددٌ من طُلاب العلم من أمثال: (سعيد بن مُسفر، وأحمد بن حسن بن محمد، وأحمد الشِّهري، وأحمد سيف الدين التُّركستاني).
وكان هؤلاء هم أول دُفعةٍ تدرس عند الشَّيخ دراسةً مُتخصِّصةً بروايات حفص وشُعبة وقالُون.
ومنحهم إجازات علمية وربطهم بالسَّند المُتَّصل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم).
ثم أعقبهُم دُفعاتٌ أُخرى أمثال: (يوسُف بن إبراهيم القبيعي، وسعيد بن مداوي، وأحمد العوسي، ومهدي بن عبدالله بن علوان، وحيدر بن أحمد الصافح، وعبدالله الرُّضفي، وصالح بن حيان، وحسين بن يحيى بن مُسفر، وحسين ميسر).
وما زالوا يتوافدون على حلقة الشَّيخ حتى عُدُّوا بالعشرات، ثمَّ بالمئات في فتراتٍ لاحقة.
وكان من المُتوقَّع أن يبقى في أبها فترة الصَّيف، ثمَّ يعود إلى مكَّة المُكرَّمة، ولكن بعد أن رأى أنه مكث في مكَّة طيلة ستة عشر عامًا، لم ينتفع بعلمه أحد، ورأى هذا الإقبال المُنقطع النَّظير في أبها من طلبة العلم؛ استجدَّت لديه الرَّغبةُ الأكيدةُ للبقاء في أبها.
¥