تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولقد فقه سلفنا الصالح هذا الأمر وقدروه حق قدره وأوصوا به تلاميذهم وخلصاءهم، فلم يكن همهم من العلم مجرد الرواية بل الرعاية والعناية، فبورك لهم في علمهم وكتب الله لهم به لسان صدق في العالمين. يقول الحسن البصري رحمه الله: (همة العلماء الرعاية، وهمة السفهاء الرواية) ويقول الخطيب البغدادي في نصيحته لطالب العلم: (وليجعل حفظه للحديث حفظ رعاية لا حفظ رواية، فإن رواة العلم كثير، ورعاته قليل، ورب حاضر كالغائب، وعالم كالجاهل، وحامل للحديث ليس معه منه شيء، إذ كان في اطراحه لحكمه بمنزلة الذاهب عن معرفته وعلمه!)

وكانوا يستعينون على حفظ الحديث بالعمل به، ويستعينون على طلبه بالصوم، يقول الشعبي رحمه الله: (كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به، وكنا نستعين على طلبه بالصوم)، ويقول وكيع بن الجراح: (إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به) وقد روي مثله عن ابن الصلاح رحمه الله، وقد اشتهر عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: (ما بلغني حديث إلا عملت به، وما عملت به إلا حفظته) وقد سئل سفيان الثوري رحمه الله: طلب العلم أحب إليك أم العمل؟ فقال: (إنما يراد العلم للعمل، فلا تدع طلب العلم للعمل، ولا تدع العمل لطلب العلم) وروي عنه رحمه الله قوله: (يهتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل!!) وقد روي هذا الأثر عن علي بن أبي طالب وعن جماعة من السلف منهم ابن المنكدر وغيره. وكانوا يرون بركة العلم أن تظهر آثاره على سمت طلابه وفي إصلاحهم مظهرا ومخبرا، يقول الحسن البصري رحمه الله: (كان الرجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يرى أثر ذلك في تخشعه وهديه ولسانه ويده!) وكانوا يوصون بذلك تلاميذهم وخلصاءهم، فعن أبي قلابة رحمه الله أنه قال: يا أيوب: (إذا أحدث الله لك علما فأحدث له عبادة، ولا يكن همك أن تحدث به)

التدرج في طلب العلم

فالتدرج سنة عامة في التعلم وفي غيره، وإن من طلب العلم جملة فاته جملة، كما قال الزهري رحمه الله، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان، ولعل هذا بعض الحكمة في نزول القرآن الكريم منجما على مدي سني البعثة، وأمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأه على الناس على مكث، قال تعالى: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) الإسراء: وقد قال سفيان الثوري رحمه الله: كنت آتي الأعمش ومنصورا فأسمع أربعة أحاديث ثم أنصرف كراهة أن تكثر وتفلت، وجاء إليه رحمه الله شيخ، فسأله عن حديث فأجابه، ثم عن آخر فأجابه، ثم عن ثالث فأجابه، ثم سأله عن الرابعة فقال: إنما كنت أقرأ على الشيخ الحديثين والثلاثة لا أزيد حتى أعرف العلم والعمل بها، فألح عليه الشيخ فلم يجبه، فجلس يبكي، فقال له سفيان: يا هذا، تريد! ما أخذته في أربعين سنة تأخذه أنت في يوم واحد؟! وقال ابن شهاب ليونس بن زيد: (يا يونس، لا تكابر العلم! فإن العلم أودية، بأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة، فإن من رام أخذه جملة، ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي)

أدب الطلب

لطلب العلم أداب، منها ما يتعلق بأدب الطالب في نفسه، ومنها ما بتعلق بأدبه مع شيخه، ومنها ما يتعلق بأدبه مع أقرانه، ومنها ما يتعلق بأدبه مع درسه وطلبه للعلم.

أدب طالب العلم في نفسه

- التخلية قبل التحلية، ينبغي لطالب العلم أن يتهيأ لطلب العلم بتطهير قلبه من الغش، والغل، والحسد، وفساد المعتقد، وسوء الخلق، ليصبح أهلا لطلب العلم وقبوله، فإن القلوب تطيب للعلم كما تطيب الأرض للزراعة.

- إحسان القصد وإصلاح النية، وذلك بأن يبتغي بطلبه للعلم وجه الله تعالى، فإن طلب العلم عبادة، والعبادة لا تصلح إلا لله تعالى وحده، فمن طلب به دنيا يصيبها، أو شرفا يناله، فقد أفسد دينه، ويوشك أن يفسد دنياه! قال صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه!)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير