تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[وقفات في طلب العلم]

ـ[ Aboibrahim] ــــــــ[23 - 01 - 05, 02:47 ص]ـ

قال الإمام أحمد: ماصليتُ غير الفرض، استأثرتُ بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي.

قلتُ: ولذلك قصة: فقد قدم أبو زرعة عند الإمام أحمد، فكانا يتذاكران الحديث،فقال أحمد: ماصليتُ غير الفرض ...

ويُستفاد من هذا: تقديم الأصلح من الأعمال على قاعدة (إذا تعارضت مصلحتان قُدِّم الأعلى منهما) فقدم الإمام أحمد مذاكرة العلم مع قرينه أبي زرعة على النوافل، وفي هذا إشارة لفضل العلم على النافلة، فتأمل.

قال عمر الناقد: لما قدم سليمان الشاذكوني بغداد، قال لي أحمد بن حنبل: اذهب بنا إلى سليمان نتعلم منه نقد الرجال.

قلتُ: وفي هذا بيان أن النقد (علم) له أصوله وضوابطه، وشروطه، وموانعه، فليس كل شخص ينقد، بل للنقد أهل يعرفون من ينقدون، ولماذا ينقدون، وكيف ينقدون، إلى غير ذلك من مسائل النقد، ولذلك ينبغي على طالب العلم أن يحذر التجرؤ على نقد العلماء أو غيرهم بغير علم، وبغير معرفة لما يتطلبه النقد، وينبغي على العالم أن يبحث عمن يعلمه النقد إن لم يعلم، فهذا الإمام أحمد مع جلالته، يطلب العلم – أي التعرف على كيفية النقد – من سليمان.

لما صنَّف أبو عبيد القاسم بن سلام (غريب الحديث) عرضه على عبد الله بن طاهر فاستحسنه. وقال: إن عقلاً بعث صاحبه على عمل هذا الكتاب لحقيق أن لا يحوج إلى طلب المعاش، فأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر.

قلت: وهكذا يكون التقدير للعالم، تفريغه للعلم والتصنيف ونفع الناس وتشجيعه على ذلك، ولكن نحن في هذا الزمن نسينا حق العالم والمتعلم الذكي، فلا تشجيع، ولا تقدير، حتى نُسي العالم، وضاع قدره، فينبغي الإشادة بالنابغين من طلبة العلم لكي يشعر الواحد منهم بقدره وأن الأمة بحاجة إليه، وكذلك العالم البحر، لا يُهضم حقه، ويُنسى فضله، بل يجب الإشاعة بذكرة ومدحه بلا غلو، ليعرف الناسُ قدره.

قال البُخاري: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: إنما الناس بشيوخهم، فإذا ذهب الشيوخ تودع من العيش.

قلتُ: رحم الله السلف، فقد كانوا يعظمون علمائهم وشيوخهم ويعرفون لهم قدرهم، لأنهم صمام أمان لهذه الأمة من البدع والمنكرات وما يخالف الدين، وكلما نقص منهم واحداً كلما دخل في الدين من البدع والخرافات ما لا يعلمه إلا الله، فالعلماء نور يهتدي به الناس، وإذا ذهب النور، تاه الناس، ويالله، كم ر أينا وسمعنا ممن نسي أو تناسى فضل العلماء، وكم رأينا من يقدح فيهم، ويتهمهم بسائر التهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهذا الإمام أحمد يقول: فإذا ذهب الشيوخ، تودع من العيش، فكأن الحياة لا تطيب إلا بوجودهم، فاللهم ارحم موتاهم، واحفظ أحيائهم، وارزقنا الأدب معهم على الوجه الذي يرضيك.

. . . . . . . . . . . . . . .

ذُكر للإمام أحمد أن رجلاً يشتم أصحاب الحديث ويقول: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام الإمام أحمد، وهو يقول: زنديق زنديق، ونفض ثوبه.

قلت: إذا كانت الغيبة حرام، فما ظنكم بغيبة العالم وشتمه؟

إن القدح في العالم لا يتناول شخصه، بل يتعدى ذلك للعلم الذي يعلمه ويُعلمه للناس، ولا يقدح فيهم إلا (زنديق) كما قاله الإمام أحمد، وإذا انتُقص العالم وأهين، فمن يثق الناس به، وإذا زالت ثقتهم بالعالم فعمّن يتلقون الدين؟

إن التناول من العلماء، ليس فقط ذنب في حقهم، بل يتعدى ضرره للمجتمع، ومتى ما كان المجتمع يقدر العلماء فأبشر بالخير والسعادة لهم، ومتى ما حصل العكس، فلا تسأل عن حال الغنم بلا راعي.

. . . . . قال إسحاق الأزرق: ما أدركت أفضل من خالد الطحان، فقيل له: قد رأيت سفيان؟ قال: كان سفيان رجل نفسه، وخالد رجل عامة.

قلت: وهنا يظهر الفرق بين العالم المنعزل عن الناس وعن أسئلتهم وهمومهم، وبين العالم الذي يخالط الناس ويساعد ضعيفهم، ويزور مريضهم، ويخاطب عامتهم، ويُفتي لسائلهم، وهو مع الناس في أي مكان ويقصد بذلك رضا الله وحده، فالأول همه نفسه، والثاني مقتدٍ بنبيه عليه الصلاة والسلام، ولا شك في أنه أفضل، وفي الحديث الصحيح: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم).

...........

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير