وفي حوار قصير أجرته معه الصحافية منى نور، أوضح الدكتور محمد عناني، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة، أن الترجمات، التي كان يقرأها جيل بكامله، منذ الحرب العالمية الثانية، للشعر العالمي كانت بدون موسيقى، فتصور هذا الجيل ـ مع حالة الازدهار التي كان يعيشها الأدب الأجنبي ـ أن كتابة الشعر نثراً خطوة على طريق التطور والرقي، مما ساهم في التدهور التدريجي في المعرفة باللغة العربية وصعوبة كتابة النظم بالفصحى وشيوع الزجل والعامية .. من هنا، فإنه ـ يضيف الدكتور عناني ـ يندر أن نجد مترجماً يقدم على نقل الصورة الموسيقية للقصيدة التي يترجمها .. وهذا الخلل هو الذي انتج ذلك التصور الغريب الذي يعتبر أن الشعر نثر وأن النثر شعر
الشعر ليس منزلاً من السماء/ د. حلمي سالم
قسم حلمي سالم تعليقه على ما كتب إلى سبع ملاحظات مركزة والتي منها
ـ أن خصائص الشعر يضعها بشر، وما وضعه بشر يغيره بشر آخرون، وأن كثيراً من محافظي الحياة الشعرية الراهنة يرهبون الشعراء المجددين بجملة الأعرابي القديم "إذا كان هذا شعر فكلام العرب باطل" وهو الإرهاب الذي يفرض على الشعراء المحدثين رداً من نوعه قائلين "نعم، كلام العرب باطل، إذا كان يرهن شرعية الجديد بمضاهات القديم"
ـ لقد استغل الركيكون والضعفاء قصيدة النثر وركبوها لتغطية فقرهم وقلة رزقهم الجمالي لكن هذا هو عين ما حدث في كل تجربة وكل حركة وكل عصر. فلو أن أصحاب قصيدة النثر انتهجوا نفس السبيل "مقارنة جيد قصيدة النثر برديء قصيدة العمود والتفعيلة" لجاءت النتائج فادحة وفاضحة
ـ قصيدة النثر ليست مستوردة أنها تطور طبيعي وصحي في سياق التجديد والتجريب وكسر الجمود الثابت، كما أنها ذات جذور تاريخية قديمة من الفراعنة والبابليين والآشوريين، مروراً بمتصوفة الإسلام ونشيد الإنشاد، وصولاً إلى أمين الريحاني وجبران وحسين عفيف ومحمد منير رمزي وغيرهم، وسيكون من العبث أن تدخل قصيدة اخوانية عمودية أو تفعيلية تافهة"من العصر الجاهلي أو الإسلامي أو الحديث" نطاق الشعر، بينما يخرج منه نثري للنفري المجاز والموسيقى شرطان للشعر لكن المجاز عديد وكثير ومتنوع، وليس مقتصراً على المجاز اللغوي البلاغي القديم العقيم، بل يتجاوزه إلى مجاز المعنى ومجاز المشهد، ومجاز المناطق العمياء في الروح ومجازات المسكوت عنه في النفس والحياة ومجاز كسر المجاز، كما أن الموسيقى أوسع من "الوزن الخليلي" الذي يعتبر إحدى صيغ أو هيئات هذه الموسيقى
ـ أن "وزنية" القصيدة ليست علامة على "شعريتها" وفي المقابل فإن نثرية "أو" لا وزنية القصيدة ليست علامة على شعريتها
المحاكمة يجب أن تكون متبادلة/ عزمي عبد الوهاب
أما الذين يحاكمون قصيدة النثر بكونها مسئولة عن انحطاط الذوق العام، وضعف الشعور بالانتماء فيرى الشاعر عبد الوهاب أنه يجوز لشعراء هذه القصيدة بذات المنطق ـ محاكمة أصحاب القوالب القديمة لأنهم واكبوا بقصيدتهم هزيمة كاملة ونصف انتصار! لقد دخلوا بتلك القصيدة مع تحرر العالم العربي من ربقة الاستعمار وضياع وطن بأكمله اسمه السري فلسطين، وانتهوا بلحظة سيولة عالمية أفقدتهم مواطئ أقدامهم، فتوقف أغلبهم عن الكتابة، ليخلص في الأخير إلى دعوة "خصوم" هذه القصيدة إلى ترك الشعراء الجدد لبناء عالمهم وألا يلتفوا إلى من ينادون بأن قصيدة النثر هي المستقبل، لأنهم يمتلكون هم أيضاً جرأة ووقاحة مصادرة المستقبل، مثلما يتملكونها هم تماماً!
بحور الخليلي لا تمتنع أمام الموجات الجديدة/ محمد صالح
وتحت عنوان "أيهما أسبق: الشعر أم الخليل بن أحمد؟ " أوضح محمد صالح أن الضجة المفتعلة التي يثيرها حجازي تكشف أول ما تكشف عن أصولية ضيقة تنظر إلى الفن على أنه حاصل جمع عناصره أو أدواته، بينما الفن الحقيقي هو قيمة مضافة أعلى بكثير من كل عناصره ومكوناته. ومن المضحك يؤكد محمد صالح، أن اعتراضات حجازي على قصيدة النثر هي تكرار لاعتراضات العقاد على قصيدة التفعيلة، ولكن بعبارات أخرى، لينتقل بعد ذلك إلى اعتبار الإنجاز الذي قام به الخليل بن أحمد الفراهيدي بخصوص العروض والقافية يعتبر بحق الأساس الموسيقي للقصيدة العربية، هذا دون إغفال ما تعرض له هذا الإنجاز من موجات التجديد كان آخرها قصيدة التفعيلة التي يعتبر حجازي أحد روادها لكنه اليوم يريد شق
¥