تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فانظُر إلى مَلِكٍ في زيّ مسكينِ

ـ[بوحمد]ــــــــ[23 - 10 - 2003, 08:28 ص]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يا من تَشَّرف بالدنيا وطينتها=ليس التشرفُ رفعَ الطينِ بالطينِ

إذا أردتَ شريفَ الناسِ كُلِّهِمِ=فانظُر إلى مَلِكٍ في زيّ مسكينِ

ذاك الذي عَظُمت في الناسِ حُرمتهُ=وذاكَ يَصْلحُ للدنيا وللدينِ

وأنا أقرأ ديوان شاعر الزهد "أبو العتاهية" وما يُروى عن سيرته و حرصه الشديد على جمع المال، تذكرت قولهُ تعالى في وصف الشعراء:"وأنهم يقولون ما لا يفعلون". كما تذكرت المثل المصري: (أسمع كلامك اسدئك اشوف أمورك أستعجب!).

يُنَفِّر الناس عن الحرص وهو أشدهم حرصاً! أليس هو القائل:

تعالى اللهُ يا سلمَ بنَ عَمرو=أذلَّ الحِرصُ أعناقَ الرجالِ

هَب الدنيا تُساقُ إليكَ عفواً=أليسَ مصير ذلك للزوالِ

يقولون أن الكلام إذا خرج من القلب، دخل القلب. و والله إن شعره في الزهد ليدخل القلب!! أليس ذلك يعني أنها خرجت من قلبه؟ فكيف استطاع أن يكسر القاعدة ويُدخل في قلوبنا ما لم يخرج من قلبه؟!

أبقيتَ مالكَ ميراثاً لوارثهِ=فليت شعري ما أبقى لكَ المالُ

القومُ بعدكَ في حالٍ تَسُرُّهُمُ=فكيفَ بعدهُمُ دارت بكَ الحالُ

مَلّوا البُكاءَ فما يَبكيكَ من أحدٍ=واستحكمَ القيلُ في الميراثِ و القالُ

...

ومُشَيِّدٍ داراً لِيَسْكُنَ ظِلَّها=سَكَنَ القُبورَ ودارَهُ لم يَسْكُنِ

...

سَكَنٌ يبقى لهُ سَكَنُ=ما بهذا يُؤذِنُ الزمنُ

عَجَباً من مَعشَرٍ سَلَفوا=أيَّ غَبْنٍ بَيِّنٍ غُبِنوا

وَفَّروا الدنيا لغيرِهِمُ=وابتنوا فيها وما سكنوا

تركوها بعدما اشتبكت=بينهم في حُبِّها الإحَنُ

كُلُّ حَيٍّ عند مِيتَتِهِ=حَظُّهُ من مالِهِ الكَفَنُ

...

يا بائعَ الدينِ بالدنيا وباطِلِها=تَرضَى بِدِينكَ شيئاً ليسَ يسواهُ

حتى متى أنت في لهوٍ وفي لعبٍ=والموتُ نحوكَ يَهْوي فاغِراً فاهُ

ما كُلَّ ما يتمنى المرءُ يُدركهُ=رُبَّ امرِئٍ حَتفهُ فيما تمناهُ

تَغتَرُّ للجهلِ بالدنيا وزُخرُفِها=إنّ الشقيَّ لَمَنْ غَرَّتْهُ دُنياهُ

ما أقربَ الموتَ في الدنيا وأبعدهُ=وما أمرَّ جني الدُنيا وأحلاهُ

بينا الشقيقُ على إلفٍ يُسَرُّ بهِ=إذ صارَ أغْمَضَهُ يوماً وسَجَّاهُ

يبكي عليهِ قليلاً ثم يُخْرِجُهُ=فَيُمْكِنُ الأرضَ منهُ ثُمَّ يَنْسَاهُ

وكُلُّ ذي أجلٍ يوماً سَيَبْلُغُهُ= وكُلُّ ذي عَمَلٍ يوماً سَيَلْقَاهُ

...

ومثل هذه الروائع في ديوان شاعر الزهد "أبو العتاهية" كثير!!

أيُعقل أن يكون قائل هذه الدرر هو مُدَّعي الزهد؟!

أظن أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يتخذ من خداع نفسه (الوسيلة) في خداع الآخرين!!

وسُبحان من لهُ في خلقه شؤون ...

بوحمد

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير